للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ الدالة على قدرته العظيمة ﴿خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: خلق السموات في ارتفاعها واتساعها، وسقوف أجرامها، وزهارة كواكبها ونجومها الثوابت والسيارات، والأرض في انخفاضها وكثافتها، وما فيها من جبال وأودية وبحار، وقفار وحيوان وأشجار.

وقوله تعالى: ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ﴾ يعني: اللّغات، فهؤلاء بلغة العرب، وهؤلاء تتر لهم لغة أخرى، وهؤلاء كرج، وهؤلاء روم، وهؤلاء فرنج، وهؤلاء بربر، وهؤلاء تكرور، وهؤلاء حبشة، وهؤلاء هنود، وهؤلاء عجم، وهؤلاء صقالبة، وهؤلاء خزر، وهؤلاء أرمن، وهؤلاء أكراد، إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى من اختلاف لغات بني آدم واختلاف ألوانهم وهي حُلاهم، فجميع أهل الأرض بل أهل الدنيا منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة كل له عينان وحاجبان وأنف وجبين وفم وخدان، وليس يشبه واحد منهم الآخر، بل لابدّ أن يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام ظاهرًا كان أو خفيًا يظهر عند التأمل، كل وجه منهم أسلوب بذاته وهيئته لا تشبه أخرى، ولو توافق جماعة في صفة من جمال أو قبح لابدّ من فارق بين كل واحد منهم وبين الآخر ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي: ومن الآيات ما جعل الله من صفة النوم في الليل والنهار، فيه تحصل الراحة وسكون الحركة وذهاب الكلال والتعب. وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار وهذا ضد النوم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ أي: يعون.

قال الطبراني: حدثنا حجاج بن عمران السدوسي، حدثنا عمرو بن الحصين العقيلي، حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة، حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، سمعت عبد الملك بن مروان يحدث عن أبيه، عن زيد بن ثابت قال: أصابني أرق من الليل، فشكوت ذلك إلى رسول الله فقال: "قل اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم، يا حي يا قيوم، أنم عيني وأهدئ ليلي" فقلتها، فذهب عني (١).

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ الدالة على عظمته أنه ﴿يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ أي: تارة تخافون مما يحدث بعده من أمطار مزعجة وصواعق متلفة، وتارة ترجون وميضه وما يأتي بعده من المطر المحتاج إليه، ولهذا قال تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾


(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٥/ ١٢٤ (ح ٤٨١٧)، وسنده ضعيف، قال ابن عدي: تفرد به عمرو بن الحصين وهو مظلم الحديث (الكامل ٥/ ١٧٩٩).