للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: بعد ما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء، فلما جاءها الماء ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: ٥] وفي ذلك عبرة ودلالة واضحة على المعاد وقيام الساعة، ولهذا قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ كقوله تعالى: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [الحج: ٦٥] وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ [فاطر: ٤١].

وكان عمر بن الخطاب إذا اجتهد في اليمين يقول: لا والذي تقوم السماء والأرض بأمره؛ أي: هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها، ثم إذا كان يوم القيامة بدلت الأرض غير الأرض والسموات، وخرجت الأموات من قبورها أحياء بأمره تعالى ودعائه إياهم، ولهذا قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (٥٢)[الإسراء]، وقال تعالى: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)[النازعات] وقال تعالى: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٥٣)[يس].

﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: ملكه وعبيده ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ أي: خاضعون خاشعون طوعًا وكرهًا.

وفي حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد مرفوعًا "كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة" (١).

وقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ قال ابن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني أيسر عليه (٢).

وقال مجاهد: الإعادة أهون عليه من البداءة، والبداءة عليه هيّن (٣). وكذا قال عكرمة (٤) وغيره.

وروى البخاري: حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، أخبرنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة ، عن النبي : "قال الله كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد" (٥) انفرد


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١١٦.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق سماك عن عكرمة.
(٥) أخرجه البخاري بسنده بلفظ: "لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحد"، (الصحيح، التفسير، سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)﴾ [الإخلاص] ح ٤٩٧٤).