للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ﴾ أي: يوم القيامة ﴿لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ﴾ أي: اعتذارهم عما فعلوا ﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أي: ولا هم يرجعون إلى الدنيا، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ [فصلت: ٢٤].

﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ﴾ أي: قد بيَّنا لهم الحق، ووضحناه لهم، وضربنا لهم فيه الأمثال ليستبينوا الحق ويتبعوه ﴿وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ﴾ أي: لو رأوا أي آية كانت، سواء كانت باقتراحهم أو غيره، لا يؤمنون بها ويعتقدون أنها سحر وباطل، كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)[يونس] ولهذا قال ههنا: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٥٩)

﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ أي: اصبر على مخالفتهم وعنادهم، فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصره إياك عليهم وجعله العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ أي: بل أثبت على ما بعثك الله به، فإنه الحق الذي لا مرية فيه، ولا تعدل عنه وليس فيما سواه هدى يتبع، بل الحق كله منحصر فيه.

قال سعيد عن قتادة: نادى رجل من الخوارج عليًا وهو في صلاة الغداة، فقال: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥)[الزمر] فأنصتَ له عليٌّ حتى فهم ما قال، فأجابه وهو في الصلاة ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)﴾ رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (١).

وقد رواه ابن جرير من وجه آخر فقال: حدثنا ابن وكيع، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن علي بن ربيعة قال: نادى رجل من الخوارج عليًا وهو في صلاة الفجر، فقال: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥)[الزمر] فأجابه علي وهو في الصلاة ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)(٢).

طريق أخرى قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شريك، عن عمران بن ظبيان، عن أبي يحيى قال: صلى علي بن أبي طالب صلاة الفجر، فناداه رجل من الخوارج ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥] فأجابه علي وهو في الصلاة ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)(٣).


(١) أخرجه الطبري من طريق سعيد به، وسنده ضعيف لأن قتادة لم يسمع من علي .
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف ابن وكيع وهو سفيان.
(٣) سنده ضعيف لضعف وتشيع عمران بن ظبيان.