للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكذلك قال الربيع (١) بن أنس، وقتادة.

وقوله تعالى جوابًا لهم ومقابلةً على صنيعهم: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)﴾.

وقال ابن جرير (٢): أخبر تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة في قوله (تعالى) (٣): ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (١٣)﴾ الآية [الحديد] وقوله (تعالى) (٣): ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ الآية [آل عمران: ١٧٨].

قال (٤): فهذا وما أشبهه من استهزاء الله تعالى ذكره، وسخريته ومكره، وخديعته للمنافقين وأهل الشرك به، عند قائل هذا القول ومتأول هذا التأويل.

قال (٥): وقال آخرون: بل استهزاؤه بهم توبيخه إياهم، ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه والكفر به.

قال (٥): وقال آخرون: هذا وأمثاله على سبيل الجواب؛ كقول الرجل لمن يخدعه إذا ظفر به: أنا الذي خدعتك. ولم يكن منه خديعة، ولكن قال ذلك إذا صار الأمر إليه.

قالوا: وكذلك قوله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤)[آل عمران]، و ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ على الجواب؛ واللّه لا يكون منه المكر ولا الهزء. والمعنى أن المكر والهزء حاق بهم.

وقال آخرون: قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ وقوله: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢] وقوله: ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] و ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] وما أشبه ذلك، إخبار من الله تعالى أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء، (ومعاقبهم) (٥) عقوبة الخداع، فأخرج خبره عن (جزائه) (٦) إياهم، وعقابه لهم، مخرج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب في اللفظ، وإن اختلف المعنيان، كما قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ (٧) [الشورى: ٤٠] وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٩٤] فالأول ظلم، والثاني عدل، فهما وإن اتفق لفظهما فقد اختلف معناهما. قال: وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك.

قال (٨): وقال آخرون: إن معنى ذلك أن الله أخبر عن المنافقين أنهم إذا خلوا إلى مردتهم قالوا: إنا معكم على دينكم في تكذيب محمد () (٩) وما جاء به وإنما نحن بما نظهر لهم من قولنا لهم مستهزئون؛ فأخبر تعالى أنه يستهزئ بهم، فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا - يعني: من عصمة دمائهم وأموالهم - خلاف الذي لهم عنده في الآخرة؛ يعني: من العذاب والنكال.


(١) أخرجهما ابن جرير (٣٦١، ٣٦٢). [بسندين ثابتين].
(٢) في "تفسيره" (١/ ٣٠١).
(٣) من (ز) و (ن).
(٤) يعني: ابن جرير (١/ ٣٠١، ٣٠٢).
(٥) في (ز): "يعاقبهم".
(٦) في (ز): "جوابه".
(٧) في (ن): "فمن عفا وأصلح فأجره على الله".
(٨) يعني: ابن جرير (١/ ٣٠٣).
(٩) من (ز) و (ن).