للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الإسراء: ٢٤] ولهذا قال: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ أي: فإني سأجزيك على ذلك أوفر جزاء.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عبد الله بن أبي شيبة ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا عبيد الله، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب قال: قدم علينا معاذ بن جبل، وكان بعثه النبي فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني رسول رسول الله إليكم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تطيعوني لا آلوكم خيرًا، وإن المصير إلى الله إلى الجنة أو إلى النار إقامة فلا ظعن، وخلود فلا موت (١).

وقوله: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ أي: إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفًا؛ أي: محسنًا إليهما، ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ يعني: المؤمنين، ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

قال الطبراني في "كتاب العشرة": حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أحمد بن أيوب بن راشد، حدثنا مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، أن سعد بن مالك قال: أنزلت في هذه الآية ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ الآية، قال: كنتُ رجلًا برًا بأُمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعيّر بي، فيقال: يا قاتل أُمه، فقلت: لا تفعلي يا أُمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء. فمكثت يومًا وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يومًا وليلة أخرى لا تأكل، فأصبحت قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك قلت: يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي، فأكلت (٢).

﴿يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)﴾.

هذه وصايا نافعة قد حكاها الله سبحانه عن لقمان الحكيم، ليمتثلها الناس ويقتدوا بها، فقال: ﴿يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾ أي: إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة من خردل، وجوَّز بعضهم أن يكون الضمير في قوله إنها ضمير الشأن والقصة، وجوَّز على هذا رفع مثقال، والأول أولى.

وقوله ﷿: ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ أي: أحضرها الله يوم القيامة حين يضع الموازين القسط، وجازى عليها إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، كما قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ


(١) سنده صحيح.
(٢) سنده ضعيف لأن داود بن أبي هند لم يسمع من سعد ويشهد لبعضه حديث مسلم المتقدم في تفسير سورة العنكبوت آية ٨.