للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ الآية [الأنبياء: ٤٧]. وقال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)[الزلزلة]، ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء، أو غائبة ذاهبة في أرجاء السماوات والأرض، فإن الله يأتي بها، لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ أي: لطيف العلم، فلا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت وتضاءلت، ﴿خَبِيرٌ﴾ بدبيب النمل في الليل البهيم.

وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله: ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ أنها صخرة تحت الأرضين السبع، وذكره السدي بإسناده ذلك المطروق، عن ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة (١) إن صحَّ ذلك، ويروى هذا عن عطية العوفي وأبي مالك والثوري والمنهال بن عمرو وغيرهم (٢)، وهذا - والله أعلم - كأنه متلقى من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، والظاهر - والله أعلم - أن المراد أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة، فإن الله سيبديها ويظهرها بلطيف علمه. كما قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله قال: "لو أن أحدكم يعمل في صخرة صمَّاء ليس لها باب ولا كوَّة لخرج عمله للناس كائنًا ما كان" (٣).

ثم قال ﴿يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ أي: بحدودها وفروضها وأوقاتها، ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ أي: بحسب طاقتك وجهدك ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾، علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بدّ أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر.

وقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ أي: إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور وقوله: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ يقول: لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم، ولكن ألن جانبك وابسط وجهك إليهم، كما جاء في الحديث: "ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيَّلة، والمخيَّلة لا يحبها الله" (٤).

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ يقول: لا تتكبر فتحقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك (٥)، وكذا روى العوفي وعكرمة عنه (٦).


(١) أخرجه الطبري من طريق السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس، وعن مُرَّة عن عبد الله، وعن ناس من أصحاب النبي ، وسنده ضعيف لأن السدي خلط بين الأسانيد الضعيفة والصحيحة فلم يميز بينها، كذا ذكر الحافظ ابن حجر في المقدمة النفيسة لكتابه القيم "العجاب في بيان الأسباب".
(٢) الرواية من الإسرائيليات كما قرر الحافظ ابن كثير.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٧/ ٣٣٠ ح ١١٢٢٩)، وضعف سنده محققوه.
(٤) أخرجه أبو داود من حديث جابر بن سليم مطولًا (السنن، اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار ح ٤٠٨٤)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٤٤٢).
(٥) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي به.
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس ويشهد له سابقه.