للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إياها لهم سقفًا محفوظًا، وما خلق لهم في الأرض من قرار وأنهار وأشجار وزروع وثمار، وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة من إرسال الرسل وإنزال الكتب وإزاحة الشبه والعلل، ثم مع هذا كلِّه ما آمن الناس كلُّهم، بل منهم من [يجادل] (١) في الله؛ أي: في توحيده وإرساله الرسل ومجادلته في ذلك بغير علم، ولا مستند من حجة صحيحة، ولا كتاب مأثور صحيح، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ أي: مبين مضيء ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ أي: لهؤلاء المجادلين في توحيد الله ﴿اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ أي: على رسوله من الشرائع المطهرة ﴿قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ أي: لم يكن لهم حجة إلا اتباع الآباء الأقدمين، قال الله تعالى: ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٠] أي: فما ظنكم أيها المحتجون بصنيع آبائهم أنهم كانوا على ضلالة وأنتم خَلَفٌ لهم فيما كانوا فيه، ولهذا قال تعالى: ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾.

﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (٢٤)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عمَّن أسلم وجهه [لله] (٢)؛ أي: أخلص له العمل وانقاد لأمره واتبع شرعه، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ أي: في عمله باتباع ما به أمر، وترك ما عنه زجر ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ أي: فقد أخذ موثقًا من الله متينًا لا يعذبه.

﴿وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢)

﴿وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ﴾ أي: لا تحزن عليهم يا محمد في كفرهم بالله وبما جئت به، فإن قدر الله نافذ فيهم، وإلى الله مرجعهم فينبئهم بما عملوا؛ أي: فيجزيهم عليه ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ فلا تخفى عليه خافية، ثم قال تعالى: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا﴾ أي: في الدنيا ﴿ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ﴾ أي: نلجئهم ﴿إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ أي: فظيع صعب مشق على النفوس، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)[يونس].

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن هؤلاء المشركين به أنهم يعرفون أن الله خالق السماوات والأرض وحده لا شريك له، ومع هذا يعبدون معه شركاء يعترفون أنها خلق له وملك له، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ أي: إذ قامت عليكم الحجة باعترافكم ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.


(١) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "مجادل".
(٢) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف بدون لفظ: "لله".