للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: هو خلقه وملكه ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ أي: الغني عما سواه. وكل شيء فقير إليه، الحميد في جميع ما خلق، له الحمد في السماوات والأرض على ما خلق وشرع، وهو المحمود في الأمور كلِّها.

﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن عظمته وكبريائه وجلاله وأسمائه الحسنى وصفاته العُلا، وكلماته التامة التي لا يحيط بها أحد، ولا اطلاع لبشر على كنهها وإحصائها، كما قال سيد البشر وخاتم الرسل: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" (١) فقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ أي: ولو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلامًا وجعل البحر مدادًا وأمده سبعة أبحر معه، فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله لتكسرت الأقلام ونفذ ماء البحر، ولو جاء أمثالها مددًا.

وإنما ذكرت السبعة على وجه المبالغة، ولم يرد الحصر ولا أن ثم سبعة أبحر موجودة محيطة بالعالم كما يقوله من تلقاه من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، بل كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)[الكهف]، فليس المراد بقوله: ﴿بِمِثْلِهِ﴾ آخر فقط بل بمثله ثم بمثله، ثم بمثله ثم هلم جرا، لأنه لا حصر لآيات الله وكلماته.

قال الحسن البصري: لو جعل شجر الأرض أقلامًا، وجعل البحر مدادًا، وقال الله إن من أمري كذا ومن أمري كذا، لنفد ماء البحر وتكسرت الأقلام (٢).

وقال قتادة: قال المشركون: إنما هذا كلام يوشك أن ينفد، فقال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ﴾ أي: لو كان شجر الأرض أقلامًا ومع البحر سبعة أبحر ما كان لتنفد عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه (٣).

وقال الربيع بن أنس: إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها، وقد أنزل الله ذلك ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ﴾ الآية، يقول: لو كان البحر مدادًا لكلمات الله، والأشجار كلها أقلامًا، لانكسرت الأقلام وفني ماء البحر، وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء، لأن أحدًا لا يستطيع أن يقدر قدره ولا يثني كما ينبغي، حتى يكون هو الذي يثني على نفسه إن ربنا كما يقول وفوق ما نقول.

وقد روي أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود.


(١) أخرجه مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة (الصحيح، الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود ح ٤٨٦).
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي رجاء عن الحسن.
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة مختصرًا وسنده مرسل، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.