للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتوسط في العمل، ويحتمل أن يكون مرادًا هنا أيضًا، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام والآيات الباهرات في البحر، ثم بعد ما أنعم الله عليه بالخلاص كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام، والدؤوب في العبادة، والمبادرة إلى الخيرات، فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرًا والحالة هذه والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ فالختار هو: الغدار، قاله مجاهد والحسن وقتادة ومالك، عن زيد بن أسلم (١)؛ وهو الذي كلما عاهد نقض عهده، والختر أتم الغدر وأبلغه. قال عمرو بن معديكرب:

وإنك لو رأيت أبا عُمير … ملأت يديك من غدر وختر (٢)

وقوله: ﴿كَفُورٍ﴾ أي: جحود للنعم لا يشكرها بل يتناساها ولا يذكرها.

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٣٣)﴾.

يقول تعالى منذرًا للناس يوم المعاد، وآمرًا لهم بتقواه والخوف منه والخشية من يوم القيامة حيث: ﴿لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ﴾ أي: لو أراد أن يفديه بنفسه لما قبل منه. وكذلك الولد لو أراد فداء والده بنفسه. لم يقبل منه.

ثم عاد بالموعظة عليهم بقوله: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أي: لا تلهينكم بالطمأنينة فيها عن الدار الآخرة ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ يعني: الشيطان. قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة (٣): فإنه يغرُّ ابن آدم ويعده ويمنيه، وليس من ذلك شيء بل كان ما قال تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (١٢٠)[النساء].

قال وهب بن منبه: قال عزير : لما رأيت بلاء قومي، اشتدَّ حزني وكثر همِّي وأرق نومي، فضرعت إلى ربي وصلّيت وصمت، فأنا في ذلك أتضرع أبكي، إذ أتاني الملك فقلت له: خبرني هل تشفع أرواح المصدقين للظلمة أو الآباء لأبنائهم؟ قال: إن القيامة فيها فصل القضاء، وملك ظاهر ليس فيه رخصة لا يتكلم فيه أحد إلا بإذن الرحمن، ولا يؤخذ فيه والد عن ولده، ولا ولد عن والده، ولا أخ عن أخيه، ولا عبد عن سيده، ولا يهتم أحد بهم غيره، ولا يحزن لحزنه، ولا أحد يرحمه، كل مشفق على نفسه، ولا يؤخذ إنسان عن إنسان، كل يهمه همه، ويبكي عوله، ويحمل وزره، ولا يحمل وزره معه غيره، رواه ابن أبي حاتم (٤).


(١) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه وقول الحسن أخرجه البُستي والطبري بسند صحيح من طريق أبي رجاء عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول مالك عن زيد بن أسلم صحيح السند.
(٢) البيت في ديوانه ص ١٠٥ واستشهد به الطبري.
(٣) قول ابن عباس عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم وابن المنذر، وقول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٤) الخبر من الإسرائيليات.