للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المدبر لكل شيء، القادر على كل شيء، فلا ولي لخلقه سواه، ولا شفيع إلا من بعد إذنه، ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ يعني: أيها العابدون غيره المتوكلون على من عداه، تعالى وتقدس وتنزه أن يكون له نظير أو شريك أو وزير أو نديد أو عديل، لا إله إلا هو ولا ربَّ سواه.

وقد أورد النسائي ههنا حديثًا فقال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب، حدثني محمد بن الصباح، حدثني أبو عبيدة الحداد، حدثنا الأخضر بن عجلان، عن ابن جريج المكي، عن عطاء، عن أبي هريرة أن رسول الله أخذ بيدي فقال: "إن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش في اليوم السابع، فخلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الإثنين، والمكروه يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، والدواب يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة في آخر ساعة من النهار بعد العصر، وخلقه من أديم الأرض: أحمرها وأسودها وطيبها وخبيثها، من أجل ذلك جعل الله من بني آدم الطيب والخبيث" (١). هكذا أورد هذا الحديث إسنادًا ومتنًا، وقد أخرج مسلم والنسائي أيضًا من حديث حجاج بن محمد الأعور، عن ابن جريج، عن إسماعيل بن أُمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، عن النبي بنحو من هذا السياق (٢).

وقد علله البخاري في كتاب التاريخ الكبير فقال: وقال بعضهم: أبو هريرة عن كعب الأحبار وهو أصح (٣)، وكذا علَّله غير واحد من الحفاظ، والله أعلم.

قوله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ أي: يتنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢)[الطلاق]، وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا ومسافة ما بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة، وسمك السماء خمسمائة سنة.

وقال مجاهد وقتادة والضحاك: النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام وصعوده في مسيرة خمسمائة (٤) عام، ولكنه يقطعها في طرفة عين، ولهذا قال تعالى: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ أي: المدبر لهذه الأمور، الذي هو شهيد على أعمال عباده، يرفع إليه جليلها وحقيرها وصغيرها وكبيرها، هو العزيز الذي قد عزّ كل شيء فقهره وغلبه، ودانت له العباد والرقاب، الرحيم بعباده المؤمنين، فهو عزيز في رحمته، رحيم في عزته،


(١) أخرجه النسائي بسنده ومتنه (السنن الكبرى، التفسير ح ١٠١٠) وقد اختلف في متنه قديمًا وحديثًا وهو في صحيح مسلم كما يأتي.
(٢) صحيح مسلم، صفات المنافقين وأحكامهم، باب ابتداء الخلق وخلق آدم (ح ٢٧٨٩)، والسنن الكبرى للنسائي (ح ١١٠١٠).
(٣) التاريخ الكبير ١/ ٤١٣.
(٤) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ليث عنه، وليث هو ابن أبي سُليم فيه مقال، وفي سنده أيضًا ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف ويتقوى بما يليه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر عنه.