للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[وهذا هو الكمال: العزة مع الرحمة، والرحمة مع العزة، فهو رحيم بلا ذلّ] (١).

﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (٩)﴾.

يقول تعالى مخبرًا أنه الذي أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها.

وقال مالك، عن زيد بن أسلم ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ قال: أحسن خلق كل شيء (٢) كأنه جعله من المقدم والمؤخر، ثم لمَّا ذكر تعالى خلق السماوات والأرض، شرع في ذكر خلق الإنسان، فقال تعالى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ يعني: خلق أبا البشر آدم من طين

﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨)﴾ أي: يتناسلون كذلك من نطفة من بين صلب الرجل وترائب المرأة

﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ يعني: آدم لما خلقه من تراب، خلقًا سويًا مستقيمًا ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ يعني: العقول ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ أي: بهذه القوى التي رزقكموها الله ﷿، فالسعيد من استعملها في طاعة ربه ﷿.

﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين في استبعادهم المعاد حيث قالوا: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: تمزقت أجسامنا وتفرقت في أجزاء الأرض وذهبت ﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي: أئنا لنعود بعد تلك الحال؟ يستعبدون ذلك، وهذا إنما هو بعيد بالنسبة إلى قدرتهم العاجزة لا بالنسبة إلى قدرة الذي بدأهم وخلقهم من العدم، الذي إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، ولهذا قال تعالى: ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ الظاهر من هذه الآية أن ملك الموت شخص معين من الملائكة، كما هو المتبادر من حديث البراء المتقدم ذكره في سورة إبراهيم، وقد سُمِّي في بعض الآثار بعزرائيل وهو المشهور، قاله قتادة وغير واحد وله أعوان، وهكذا ورد في الحديث أن أعوانه ينتزعون الأرواح من سائر الجسد حتى إذا بلغت الحلقوم وتناولها ملك الموت.

قال مجاهد: حُويت له الأرض فجعلت مثل الطِّست يتناول منها متى يشاء (٣)، ورواه زهير بن محمد، عن النبي بنحوه مرسلًا، وقاله ابن عباس (٤).

وروى ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري، حدثنا عمرو بن شمر،


(١) زيادة من (ح) و (حم).
(٢) سنده صحيح.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "جويب له الأرض. . ." لكنه مرسل.
(٤) رواية زهير بن محمد عزاها السيوطي إلى ابن أبي حاتم، ورواية ابن عباس عزاها السيوطي إلى الكلبي عن أبي صالح عنه وهو سند ضعيف جدًا.