للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن جعفر بن محمد قال: سمعت أبي يقول: نظر رسول الله إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال له النبي : "يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن"، فقال ملك الموت: يا محمد طِب نفسًا وقِرّ عينًا، فإني بكل مؤمن رفيق، واعلم أن ما في الأرض بيت مدرّ ولا شعر في برّ ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات، حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها. قال جعفر: بلغني أنه إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة، فإذا حضرهم عند الموت فإن كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك ودفع عنه الشيطان، ولقَّنه الملك لا إله إلا الله محمد رسول الله في تلك الحال العظيمة (١).

وقال عبد الرزاق: حدثنا محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة قال: سمعت مجاهدًا يقول: ما على ظهر الأرض من بيت شعر أو مدر إلا وملك الموت يطوف به كل يوم مرتين (٢).

وقال كعب الأحبار: والله ما من بيت فيه أحد من أهل الدنيا إلا وملك الموت يقوم على بابه كل يوم سبع مرات ينظر هل فيه أحد أمر أن يتوفاه (٣)، رواه ابن أبي حاتم.

وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ أي: يوم معادكم وقيامكم من قبوركم لجزائكم.

﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤)﴾.

يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة وحالهم حين عاينوا البعث وقاموا بين يدي الله ﷿، حقيرين ذليلين ناكسي رؤوسهم؛ أي: من الحياء والخجل يقولون: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ أي: نحن الآن نسمع قولك ونطيع أمرك، كما قال تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ [مريم: ٣٨] وكذلك يعودون على أنفسهم بالملامة إذا دخلوا النار بقولهم: ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١٠] وهكذا هؤلاء يقولون: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا﴾ أي: إلى دار الدنيا ﴿نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ أي: قد أيقنا وتحققنا فيها أن وعدك حق ولقاءك حق، وقد علم الرب تعالى منهم أنه لو أعادهم إلى دار الدنيا لكانوا كما كانوا فيها كفارًا يكذبون بآيات الله ويخالفون رسله، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ الآية [الأنعام: ٢٧]،

وقال ههنا: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٩٩]. ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ أي: من الصنفين فدارهم النار لا محيد لهم عنها ولا محيص لهم منها، نعوذ بالله وكلماته التامة من ذلك.

﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ أي: يقال لأهل النار


(١) سنده ضعيف جدًا لأن عمرو بن شمر: متروك (ينظر: الإصابة ٢/ ٢٧٧) وفي متنه نكارة.
(٢) سنده مرسل.
(٣) سنده مرسل.