للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم به واستبعادكم وقوعه وتناسيكم له إذ عاملتموه معاملة من هو ناس له ﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ أي: سنعاملكم معاملة الناسي، لأنه تعالى لا ينسى شيئًا ولا يضل عنه شيء، بل من باب المقابلة كما قال تعالى: ﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ [الجاثية: ٣٤].

وقوله تعالى: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: بسبب كفركم وتكذيبكم، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) جَزَاءً وِفَاقًا (٢٦) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (٣٠)[النبأ].

﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)﴾.

يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ أي: إنما يصدق بها ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا﴾ أي: استمعوا لها وأطاعوها قولًا وفعلًا ﴿وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي: عن أتباعهم والانقياد لها كما يفعله الجهلة من الكفرة الفجرة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠]

ثم قال تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ يعني: بذلك قيام الليل وترك النوم والإضطجاع على الفرش الوطيئة.

قال مجاهد والحسن في قوله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ يعني: بذلك قيام الليل (١).

وعن أنس وعكرمة ومحمد بن المنكدر وأبي حازم وقتادة: هو الصلاة بين العشاءين (٢).

وعن أنس أيضًا: هو انتظار صلاة العتمة (٣). ورواه ابن جرير بإسناد جيد.

وقال الضحاك: هو صلاة العشاء في جماعة وصلاة الغداة في جماعة.

﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ أي: خوفًا من وبال عقابه وطمعًا في جزيل ثوابه ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ فيجمعون بين فعل القربات اللازمة والمتعدية، ومقدم هؤلاء وسيدهم وفخرهم في الدنيا والآخرة رسول الله ، كما قال عبد الله بن رواحة .


(١) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الحسن أخرجه أبو داود بسند صححه الألباني عن الحسن. (سنن أبي داود، الصلاة، باب وقت قيام النبي من الليل ح ١٣٢١، وصحيح سنن أبي داود ح ١١٧٣).
(٢) قول أنس أخرجه الطبري بإسناد صحيح من طريق قتادة عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بإسناد صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول ابن المنكدر وأبي حازم أخرجاهما محمد بن نصر في مختصر قيام الليل ص ٩ والبيهقي في السنن الكبرى ٣/ ١٩.
(٣) أخرجه الطبري والترمذي كلاهما عن عبد الله بن أبي زياد عن عبد الله الأويسي عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد عن أنس وقال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (السنن، التفسير، باب ومن سورة السجدة ح ٣١٩٦) وجود سنده الحافظ ابن كثير.