للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)[الحشر]، ولهذا قال تعالى ههنا: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (١٨)﴾ أي: عند الله يوم القيامة.

وقد ذكر عطاء بن يسار والسدي وغيرهما أنها نزلت في علي بن أبي طالب وعقبة بن أبي مُعيط (١)، ولهذا فصل حكمهم فقال: ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي: صدقت قلوبهم بآيات الله وعملوا بمقتضاها وهي الصالحات ﴿فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى﴾ أي: التي فيها المساكن والدور والغرف العالية ﴿نُزُلًا﴾ أي: ضيافة وكرامة ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ أي: خرجوا عن الطاعة فمأواهم النار، كلما أرادوا أن يخرجوا، منها أعيدوا فيها، كقوله: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا﴾ [الحج: ٢٢].

قال الفضيل بن عياض: "والله إن الأيدي لموثقة، وإن الأرجل لمقيدة، وإن اللَّهب ليرفعهم، والملائكة تقمعهم" ﴿وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا.

وقوله تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ قال ابن عباس: يعني بالعذاب الأدنى: مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها، وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه (٢). وروي مثله عن أُبي بن كعب وأبي العالية والحسن وإبراهيم النخعي والضحاك وعلقمة وعطية ومجاهد وقتادة وعبد الكريم الجزري وخصيف (٣).

وقال ابن عباس في رواية عنه: يعني به إقامة الحدود عليهم (٤).

وقال البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة: يعني به عذاب القبر (٥).

وقال النسائي: أخبرنا عمرو بن علي، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص وأبي عبيدة، عن عبد الله ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ


(١) قول عطاء بن يسار أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق عن بعض أصحابه عن عطاء بن يسار، وسنده ضعيف لجهالة شيخ ابن إسحاق، وقول السدي عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم والسدي فيه تشيع، وأخرجه الواحدي (أسباب النزول ص ٢٩١)، وابن عساكر (تاريخ دمشق ٦٣/ ٢٣٥ و ١٧ ل ٨٧٦ صورة عن النسخة الظاهرية)، كلاهما من طريق عبيد الله بن موسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال الذهبي: إسناده قوي، لكن سياق الآية يدل على أنها في أهل النار. (سير أعلام النبلاء ٣/ ٤١٥) لكن فيه وعبيد الله بن موسى فيه تشيع.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بنحوه.
(٣) قول أُبي بن كعب أخرجه الطبري من عدة طرق عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا، وقول أبي العالية أخرجه الطبري والبيهقي (شعب الإيمان رقم ٩٨٢٢)، كلاهما بسند جيد من طريق الربيع بن أنس عنه، وقول الحسن وقتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن، وقول النخعي أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق منصور عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر عنه.
(٤) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق عكرمة، عن ابن عباس.
(٥) قول البراء لم أجده، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق أبي يحيى عنه، وأبو يحيى هو القتات وهو لين الحديث (التقريب ص ٦٨٤)، وقول أبي عبيدة أخرجه هناد (الزهد رقم ٣٤٥).