للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من النسب" (١)، فأما دعوة الغير ابنًا على سبيل التكريم والتحبيب، فليس مما نهى عنه في هذه الآية بدليل ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي، من حديث سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن [الحسن العُرني] (٢)، عن ابن عباس قال: قدّمنا على رسول الله أُغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جُمَع (٣)، فجعل يلطخ (٤) أفخاذنا ويقول: "أُبَيْنِيّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس" (٥)، قال أبو عبيدة وغيره: أُبَيْنِيّ تصغير بَني وهذا ظاهر الدلالة، فإن هذا كان في حجة الوداع سنة عشر.

وقوله: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ في شأن زيد بن حارثة ، وقد قتل في يوم مؤتة سنة ثمان، وأيضًا ففي صحيح مسلم من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، عن الجعد أبي عثمان البصري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "يا بُنيَّ" (٦)، ورواه أبو داود والترمذي (٧).

وقوله ﷿: ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ أمر تعالى بردِّ أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عرفوا، فإن لم يعرفوا آباءهم فهم إخوانهم في الدين ومواليهم؛ أي: عوضًا عما فاتهم من النسب، ولهذا قال رسول الله يوم خرج من مكة عام عمرة القضاء وتبعتهم ابنة حمزة تنادي: يا عمِّ يا عمِّ، فأخذها علي وقال - لفاطمة : دونك ابنة عمك، فاحتملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر في أيُّهم يكفلها، فكلٌّ أدلى بحجة، فقال علي : أنا أحقُ بها وهي ابنة عمي: وقال زيد: ابنة أخي، وقال جعفر بن أبي طالب: ابنة عمي وخالتها تحتي؛ يعني: أسماء بنت عُميس، فقضى بها النبي لخالتها وقال: "الخالة بمنزلة الأُم وقال لعلي : "أنت مني وأنا منك". وقال لجعفر : "أشبهت خَلْقي وخُلُقي".

وقال لزيد : "أنت أخونا ومولانا" (٨)، ففي الحديث أحكام كثيرة من أحسنها أنه حكم بالحق، وأرضى كلًّا من المتنازعين. وقال لزيد : "أنت أخونا ومولانا" كما قال تعالى: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾.


(١) أخرجه الشيخان من حديث عائشة بنحوه (صحيح البخاري، النكاح، باب ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] ح ٥٠٩٩)، وصحيح مسلم، الرضاع، باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة (ح ١٤٤٤).
(٢) كذا في (ح) و (حم) والتخريج، وفي الأصل صُحف إلى: "الحسن العوفي".
(٣) أي: مزدلفة.
(٤) أي: يضرب.
(٥) أخرجه الإمام أحمد، المسند (٣/ ٥٠٨ ح ٢٠٨٩)، وصححه محققوه بالشواهد، وأخرجه أبو داود (السنن، المناسك، باب التعجيل من جُمَع ح ١٩٤٠)، والنسائي (السنن، الحج، باب النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس ٥/ ٢٧٠)، وابن ماجه (السنن، الحج، باب من تقدم من جُمَع إلى منى ح ٣٠٢٥)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢٤٥١).
(٦) صحيح مسلم، الآداب، باب جواز قوله لغير ابنه: يا بُنيَّ (ح ٢١٥١).
(٧) سنن أبي داود، الأدب، باب في الرجل يقول لابن غيره: يا بُنيّ (ح ٤٩٦٤)، وسنن الترمذي، الأدب، باب ما جاء في: يا بُنيَّ (ح ٢٨٣١).
(٨) أخرجه البخاري من حديث البراء مطولًا (الصحيح، الصلح، باب كيف يُكتب "هذا ما صالح فلان بن فلان. . ." ح ٢٦٩٩).