للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: قال أبو بَكرة : قال الله ﷿: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾، فأنا ممن لا يعرف أبوه فأنا من إخوانكم في الدين، قال أبي: والله إني لأظنه لو علم أن أباه كان حمارًا لانتمى إليه (١).

وقد جاء في الحديث: "من ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلمه كفر" (٢). وهذا تشديد وتهديد ووعيد أكيد في التبري من النسب المعلوم، ولهذا قال تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ أي: إذا نسبتم بعضهم إلى غير أبيه في الحقيقة خطأ بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع، فإِن الله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه، كما أرشد إليه في قوله آمرًا عباده أن يقولوا: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله قال: "قال الله ﷿: قد فعلت" (٣).

وفي صحيح البخاري عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله : "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر" (٤).

وفي حديث آخر: "إن الله رفع عن أُمتي الخطأ والنسيان وما يكرهون عليه" (٥).

وقال ههنا: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ أي: وإنما الإثم على من تعمد الباطل، كما قال ﷿: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ﴾ الآية [البقرة: ٢٢٥]. وفي الحديث المتقدم: " [ليس من رجل] (٦) ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلا كفر" (٧). وفي القرآن المنسوخ: فإن كفرًا بكم أن ترغبوا عن آبائكم (٨).

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، عن عمر أنه قال: إن الله تعالى بعث محمدًا بالحق، وأنزل معه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فرجم رسول الله ورجمنا بعده، ثم قال: قد كنا نقرأ: ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، وأن رسول الله قال: "لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد الله، فقولوا عبده ورسوله" وربما قال معمر: "كما أطرت النصارى ابن مريم" (٩).


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٢) أخرجه البخاري من حديث أبي ذرِّ بنحوه (الصحيح، المناقب، باب رقم ٥ ح ٣٥٠٨).
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ٢٨٦.
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة الأنبياء آية ٧٩.
(٥) تقدم تخريجه في آخر تفسير سورة الأعراف آية ١٥٧.
(٦) كذا في صحيح البخاري كما في حديث أبي ذرٍّ ، وفي النسخ الخطية بلفظ: "من".
(٧) تقدم تخريجه في الحديث السابق.
(٨) لم أجد تخريجه حتى في كتب الناسخ والمنسوخ.
(٩) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٤١٤ ح ٣٣١)، وصحح سنده محققوه.