للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قول ابن جرير (١) فيشبه ما رواه علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس (٢)، في قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ قال: هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإسلام، فيناكحهم المسلمون، ويوارثونهم، ويقاسمونهم الفيء، فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز، كما سلب صاحب النار ضوءه.

وقال أبو جعفر الرازي (٣)، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ فإنما ضوء النار ما أوقدتها، فإذا خمدت ذهب نورها، وكذلك المنافق كلما تكلم بكلمة الإخلاص بلا إله إلا الله أضاء له، فإذا شكَّ وقع في الظلمة.

وقال الضحاك (٤): ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ "أما نورهم" (٥) فهو إيمانهم الذي تكلموا به.

وقال عبد الرزاق (٦)، عن معمر، عن قتادة: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ فهي لا إله إلا الله، أضاءت لهم، فأكلوا بها وشربوا، وأمنوا في الدنيا، (ونكحوا) (٧) النساء، وحقنوا دماءهم، حتَّى إذا ماتوا ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون.

وقال سعيد (٨)، عن قتادة في هذه الآية: إن المعنى أن المنافق تكلم بلا إله إلا الله، فأضاءت له في الدنيا، فناكح بها المسلمين، وغازاهم بها، ووارثهم بها، وحقن بها دمه وماله؛ فلما كان عند الموت سلبها المنافق؛ لأنَّهُ لم يكن لها أصل في قلبه ولا حقيقة في عمله.

﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ قال علي (٩) بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ يقول: في عذاب إذا ماتوا.

وقال (محمد) بن إسحاق (١٠)، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن (١١) عباس: ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ﴾ أي: يبصرون الحق ويقولون به، حتَّى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم ونفاقهم فيه، فتركهم في ظلمات الكفر؛ فهم لا يبصرون هدًى، ولا يستقيمون على حق.

وقال السدي في "تفسيره" (١٢) بسنده: ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ﴾ فكانت الظلمة نفاقهم.

وقال الحسن البصري (١٣): ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ فذلك حين يموت المنافق، فيظلم


(١) في "تفسيره" (١/ ٣٢٤، ٣٢٥).
(٢) أخرجه ابن جرير (٣٨٧)؛ وابن أبي حاتم (١٥٨) [وسنده ثابت].
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٥٩) وهو عند ابن جرير (٣٩٦) عن الربيع بن أنس قوله. [وسنده جيد].
(٤) أخرجه ابن جرير (٣٩٢) وسنده حسن.
(٥) من (ن).
(٦) في "تفسيره" (١/ ٣٩) وعنه ابن جرير (٣٩١)؛ وابن أبي حاتم (١٦٤) وسنده صحيح.
(٧) في (ن): "وأنكحوا".
(٨) هو ابن أبي عروبة. وأخرجه ابن جرير (٣٩٠) عن يزيد بن زريع، عن سعيد به. [وسنده صحيح].
(٩) أخرجه ابن جرير (٣٨٧)؛ وابن أبي حاتم (١٦٧). [وسنده ثابت].
(١٠) من (ز) و (ن).
(١١) أخرجه ابن إسحاق كما في "الدر المنثور" (١/ ٣٢) ومن طريقه ابن جرير (٣٨٦)؛ وابن أبي حاتم (١٦٨). [وسنده حسن].
(١٢) وعنه ابن جرير (٣٨٨)؛ وأخرجه ابن أبي حاتم (١٧٠) عن السدي قوله. [وسنده ضعيف].
(١٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٧١) بسند ضعيف.