للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن مهدي، حدثنا صالح بن عمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء قال: قال رسول الله : "من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله تعالى، إنما هي طابة هي طابة" (١) تفرد الإمام أحمد، وفي إسناده ضعف، والله أعلم. ويقال كان أصل تسميتها يثرب برجل نزلها من العماليق يقال له يثرب بن عبيل بن مهلاييل بن عوص بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، قاله السهيلي (٢). قال: وروي عن بعضهم أنه قال: إن لها في التوراة أحد عشر اسمًا: المدينة وطابة وطيبة والمسكينة والجابرة والمحبة والمحبوبة والقاصمة والمجبورة والعذراء والمرحومة.

وعن كعب الأحبار قال: إنا نجد في التوراة يقول الله تعالى للمدينة: يا طيبة ويا طابة ويا مسكينة [لا تُقلي الكنوز أرفع أحاجرك على أحاجر القرى] (٣).

وقوله: ﴿لَا مُقَامَ لَكُمْ﴾ أي: ههنا يعنون عند النبي في مقام المرابطة ﴿فَاَرْجِعُوْا﴾ أي: إلى بيوتكم ومنازلكم ﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ﴾ قال العوفي عن ابن عباس : هم بنو حارثة قالوا: بيوتنا نخاف عليها السراق (٤)، وكذا قال غير واحد.

وذكر ابن إسحاق أن القائل لذلك هو أوس بن قيظي (٥)، يعني اعتذروا في الرجوع إلى منازلهم بأنها عورة؛ أي: ليس دونها ما يحجبها من العدو، فهم يخشون عليها منهم، قال الله تعالى: ﴿وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾ أي: ليست كما يزعمون ﴿إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ أي: هربًا من الزحف.

﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (١٤) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧)﴾.

يخبر تعالى عن هؤلاء الدين ﴿يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ [الأحزاب: ١٣] أنهم لو دخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة وقطر من أقطارها، ثم سئلوا الفتنة وهي الدخول في الكفر لكفروا سريعًا، وهم لا يحافظون على الإيمان ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع، هكذا فسرها قتادة وعبد الرحمن بن زيد (٦) وابن جرير، وهذا ذمٌّ لهم في غاية الذمّ.

ثم قال تعالى يذكرهم بما كانوا عاهدوا الله من قبل هذا الخوف أن لا يولوا الأدبار ولا يفرون من الزحف ﴿وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا﴾ أي: وإن الله تعالى سيسألهم عن ذلك العهد لا بدّ من ذلك، ثم أخبرهم أن فرارهم ذلك لا يؤخر آجالهم ولا يطول أعمارهم بل ربما كان ذلك سببًا في تعجيل أخذهم غرَّة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ أي: بعد هربكم وفراركم ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾ [النساء: ٧٧].


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ٤٨٣ ح ١٨٥١٩)، وضعف سنده محققوه لضعف يزيد بن أبي زياد.
(٢) التحريف والإعلام ص ١٠٢.
(٣) زيادة من (ح) و (حم).
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٥) ذكره الطبري ابن هشام (السيرة النبوية ٢/ ٢٢٢).
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد.