للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البادية يسألون عن أخباركم وما كان من أمركم مع عدوكم ﴿وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا﴾ أي: ولو كانوا بين أظهركم لما قاتلوا معكم إلا قليلًا لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم.

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (٢٢)﴾.

هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه ﷿، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين، ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ أي: هلَّا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ، ولهذا قال تعالى: ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.

ثم قال تعالى مخبرًا عن عباده المؤمنين المصدقين بموعود الله لهم وجعله العاقبة حاصلة لهم في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾، قال ابن عباس وقتادة: يعنون قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)(١) [البقرة] أي: هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب، ولهذا قال تعالى: ﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إلى الناس وأحوالهم، كما قال جمهور الأئمة: إنه يزيد وينقص، وقد قررنا ذلك في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة.

ومعنى قوله جلت عظمته: ﴿وَمَا زَادَهُمْ﴾ أي: ذلك الحال والضيق والشدة ﴿إِلَّا إِيمَانًا﴾ بالله ﴿وَتَسْلِيمًا﴾ أي: انقيادًا لأوامره وطاعة لرسوله .

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (٢٣) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٢٤)﴾.

لما ذكر ﷿ عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذي كانوا عاهدوا الله عليه لا يولّون الأدبار، وصف المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق: ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عنه، ويتقوى برواية قتادة التي أخرجها الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وأخرجها عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر، عن قتادة.