للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أعطى الدكتور هذه المسائل مزيدًا من البحث لوجدها مسائل منهجية سلكها الحافظ ابن كثير فإن الروايات المنكرة في متنها ساقها بالإسناد وسمى الرجال فكأنه يشير بأصابع الاتهام إلى موطن الإنكار حينما يسمي رجال الإسناد، وما ذكره فضيلته فيه بتر للإسناد فقد حذف الراوي الضعيف، فالرواية رواها ابن أبي حاتم: عن إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا يحيى بن أبي بكر، عن أبي معشر، حدثني محمد بن قيس، به.

والراوي الضعيف هو أبو معشر، واسمه: نجيح بن عبد الرحمن السندي (١).

ثم ذكر فضيلته مسألة أخرى فقال:

وفي نفس الآية ذكر ابن كثير أن قوله تعالى: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا﴾ [يونس: ٨٩] فسره ابن جريج بقوله: "يقولون: إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة. وقال محمد بن كعب وعلي بن الحسين: أربعين يومًا".

ولم يعقب ابن كثير على الروايتين. والفرق بينهما كالفرق بين طفل يقال عنه: إنه ولد منذ أربعين يومًا. ويقال عنه أيضًا: إنه ولد منذ أربعين سنة. ولا شك أنه فرق صارخ (٢).

والجواب ما ذكره الحافظ عن ابن جريج ومحمد بن كعب واضح أنه من الإسرائيليات لأن الراويين مشهوران برواية الإسرائيليات وكفى.

وقال فضيلته: وذكر محمد بن إسحاق أن إسافا ونائلة كانا بشرين فزنيا داخل الكعبة، فمسخا حجرين فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس، فلما طال عهدهما عُبدا ثم حولا إلى الصفا والمروة فنصبا هنالك، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما.

ولم ينتقد ابن كثير هذه الرواية على ما فيها من ضعف، إذ كيف يقتنع المرء بأن إسافا ونائلة كانا بشرين قد مسخا. وما الدليل على ذلك؟ وفي أي كتاب صحيح موثوق به ذكر هذا؟ فليأتوا بآثارة من علم إن كانوا صادقين (٣). ا هـ.

والجواب: أن هذه الرواية ضعفها جلي لا يخفى لأنه مروي عن ابن إسحاق ولم يروه عن أحد، وهو معروف أيضًا برواية الإسرائيليات، وما ذكره لا يؤخذ إلا بالوحي عن النبي ، وبين ابن إسحاق والنبي ثلاثة رواة على الأقل.

وقد ذكر فضيلته أيضًا رواية إسرائيلية عن وهب بن منبه ساقها الحافظ ابن كثير ولم ينبه عليها (٤) ا هـ.

أقول: إن ذكر وهب بن منبه يغني عن التنبيه؛ لأنه كان مولعًا برواية الإسرائيليات، وما ذكره من أخطاء أخرى شبيهة بما سبق.

ثم ذكر أخطاء عامة -حسب ظنه-، ومنها:

النسخ، وذكر مثالًا ثم قال: إنها وجهة نظر وليس خطأ مؤكدًا.


(١) ينظر: "تقريب التهذيب" (ص ٥٥٩).
(٢) المصدر السابق (ص ٤٣٢).
(٣) المصدر السابق (ص ٤٣٣).
(٤) المصدر السابق (ص ٤٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>