للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي: تعودون أحياء ترزقون بعد ذلك، وهو في هذا الإخبار لا يخلو أمره من قسمين: إما أن يكون قد تعمد الافتراء على الله تعالى أنه قد أوحي إليه ذلك، أو أنه لم يتعمد، لكن لبس عليه كما يلبس على المعتوه والمجنون، ولهذا قالوا: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ قال الله ﷿ رادًّا عليهم: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ أي: ليس الأمر كما زعموا، ولا كما ذهبوا إليه، بل محمد هو الصادق البار الراشد، الذي جاء بالحق، وهم الكذبة الجهلة الأغبياء ﴿فِي الْعَذَابِ﴾ أي: الكفر المفضي بهم إلى عذاب الله تعالى ﴿وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ من الحق في الدنيا.

ثم قال تعالى منبهًا لهم على قدرته في خلق السماوات والأرض، فقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: حيثما توجهوا وذهبوا، فالسماء مطلة عليهم، والأرض تحتهم، كما قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (٤٨)[الذاريات].

قال عبد بن حميد: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ قال: إنك إن نظرت عن يمينك، أو عن شمالك، أو من بين يديك، أو من خلفك، رأيت السماء والأرض (١).

وقوله تعالى: ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ أي: لو شئنا لفعلنا بهم ذلك بظلمهم وقدرتنا عليهم، ولكن نؤخر ذلك لحلمنا وعفونا، ثم قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾.

قال معمر، عن قتادة: ﴿مُنِيبٍ﴾ تائب (٢).

وقال [شيبان] (٣)، عن قتادة: المنيب: المقبل إلى الله تعالى (٤)؛ أي: إن في النظر إلى خلق السماوات والأرض لدلالة لكل عبد فطن لبيب رجَّاع إلى الله، على قدرة الله تعالى على بعث الأجساد ووقع المعاد، لأن من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها، وهذه الأرضين في انخفاضها، وأطوالها وأعراضها، إنه لقادر على إعادة الأجسام ونشر الرميم من العظام، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى﴾ [يس: ٨١]، وقال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)[غافر].

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١)﴾.

يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود مما آتاه من الفضل


(١) سنده صحيح.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٣) كذا في (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "سفيان".
(٤) سنده صحيح وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ: "المُقبل التائب".