للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المبين، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن، والجنود ذوي العدد والعدد، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم، الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات، والغاديات، والرائحات، وتجاوبه بانواع اللغات.

وفي الصحيح أن رسول الله ، سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته، ثم قال : "لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود" (١).

وقال أبو عثمان النهدي: ما سمعت صوت صنج (٢) ولا بربط (٣) ولا وتر أحسن من صوت أبي موسى الأشعري (٤).

ومعنى قوله تعالى: ﴿أَوِّبِي﴾ أي: سبحي، قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد (٥).

وزعم أبو ميسرة أنه بمعنى سبحي بلسان الحبشة، وفي هذا نظر، فإن التأويب في اللغة هو الترجيع، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها (٦).

وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي في كتابه (الجُمل) (٧) في باب النداء منه ﴿يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ أي: سيري معه بالنهار كله، والتأويب سير النهار كله، والإسآد سير الليل كله، وهذا لفظه، وهو غريب جدًا لم أره لغيره، وإن كان له مساعدة من حيث اللفظ في اللغة، لكنه بعيد في معنى الآية ههنا، والصواب أن المعنى في قوله تعالى: ﴿أَوِّبِي مَعَهُ﴾ أي: رجعي مسبحة معه كما تقدم، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ قال الحسن البصري وقتادة والأعمش وغيرهم: كان لا يحتاج أن يدخله نارًا ولا يضربه بمطرقة، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط (٨)، ولهذا قال تعالى: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ وهي: الدروع.

قال قتادة: وهو أول من عملها من الخلق، وإنما كانت قبل ذلك صفائح (٩).


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة الأنبياء آية ٧٩.
(٢) الصنج صحيفة مدورة من نحاس يضرب بها على أخرى مثلها، وهي من الآلات الموسيقية.
(٣) أي: العود وهو من الآلات الموسيقية.
(٤) أخرجه القاسم بن سلام أبو عبيد عن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا سليمان التيمي - أو نبئت عنه - حدثنا أبو عثمان النهدي فذكره.
(ينظر فضائل القرآن لابن كثير ص ٩٦) وفي سنده تردد إسماعيل بن إبراهيم لم يجزم هل سمعه عن سليمان التيمي أم بواسطة.
(٥) قول ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ٦/ ٣٤٤)، والطبري كلاهما بسند حسن من طريق سعيد بن جبير عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري وآدم بن أبي إياس بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ١١/ ٥٦٠)، والطبري بسند صحيح من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة.
(٧) كذا في (حم)، وفي الأصل صحف إلى: "المجمل".
(٨) قول الحسن عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه بنحوه.
(٩) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.