للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا ابن سماعة، حدثنا ابن ضمرة، عن ابن شوذب قال: كان داود يرفع في كل يوم درعًا فيبيعها بستة آلاف درهم، ألفين له ولأهله، وأربعة آلاف درهم يطعم بها بني إسرائيل خبز الحواري (١).

﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ هذا إرشاد من الله تعالى لنبيه داود في تعليمه صنعة الدروع.

وقال مجاهد في قوله تعالى: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ لا تدق المسمار فيقلق في الحلقة، ولا تغلظه فيقصمها واجعله بقدر (٢).

وقال الحكم بن عيينة: لا تغلظه فيقصم، ولا تدقه فيقلق (٣)، وهكذا روي عن قتادة وغير واحد (٤).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: السرد حلق الحديد (٥).

وقال بعضهم: يقال درع مسرودة إذا كانت مسمورة الحلق، واستشهد بقول الشاعر:

وعليهما مسرودتان [قضاهما] (٦) … داود أو صَنَع السوابغ تبع (٧)

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة داود من طريق إسحاق بن بشر، وفيه كلام، عن أبي إلياس، عن وهب بن منبه ما مضمونه أن داود كان يخرج متنكرًا، فيسأل الرُكبان عنه وعن سيرته، فلا يسأل أحدًا إلا أثنى عليه خيرًا في عبادته وسيرته وعدله .

قال وهب: حتى بعث الله تعالى ملكًا في صورة رجل، فلقيه داود فسأله كما كان يسأل غيره، فقال: هو خير الناس لنفسه ولأمته، إلا أن فيه خصلة لو لم تكن فيه كان كاملًا. قال: ما هي؟ قال: يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين، يعني: بيت المال، فعند ذلك نصب داود إلى ربه ﷿ في الدعاء أن يعلمه عملًا بيده يستغني به ويغني به عياله، فألان الله ﷿ له الحديد، وعلمه صنعة الدروع، فعمل الدروع، وهو أول من عملها، فقال الله تعالى: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ يعني: مسامير الحلق.

قال: وكان يعمل الدرع، فإذا ارتفع من عمله درع، باعها فتصدق بثلثها، واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله، وأمسك الثلث يتصدق به يومًا بيوم إلى أن يعمل غيرها، وقال: إن الله أعطى داود شيئًا لم يعطه غيره من حسن الصوت، إنه كان إذا قرأ الزبور تجتمع الوحوش إليه حتى يؤخذ بأعناقها وما تنفر، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج (٨)، إلا على أصناف


(١) سنده مرسل وهو من الإسرائيليات.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والبستي والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن عيينة عن أبيه عن الحكم.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٦) كذا في (حم) وديوان الهذليين ١/ ١٩، وفي الأصل صحف إلى: "معناهما". ومعنى قضاهما أي: فرغ منهما.
(٧) هو ملك من ملوك حمير في اليمن.
(٨) تقدم تعريفهما في رواية أبي عثمان النهدي السابقة.