للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالغين المعجمة (١) ويرجع إلى الأول، فإذا كان كذلك سأل بعضهم بعضًا ماذا قال ربكم؟ فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم ثم الذين يلونهم لمن تحتهم، حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا، ولهذا قال تعالى: ﴿قَالُوا الْحَقَّ﴾ أي: أخبروا بما قال من غير زيادة ولا نقصان ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾.

وقال آخرون: بل معنى قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ يعني: المشركين عند الاحتضار ويوم القيامة إذا استيقظوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا ورجعت إليهم عقولهم يوم القيامة قالوا: ماذا قال ربكم؟ فقيل لهم الحق وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا (٢).

قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ كشف عنها الغطاء يوم القيامة (٣).

وقال الحسن: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ يعني: ما فيها من الشك والتكذيب (٤).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ يعني: ما فيها من الشك قال: فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم ﴿قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ قال: وهذا في بني آدم هذا عند الموت، أقروا حين لا ينفعهم الإقرار (٥)، وقد اختار ابن جرير القول الأول: إن الضمير عائد على الملائكة، وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه لصحة الأحاديث فيه والآثار، ولنذكر منها طرفًا يدل على غيره.

قال البخاري عند تفسير هذه الآية الكريمة في صحيحه، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله قال: "إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بيده فحرفها، ونشر بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا فيصدّق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء" (٦). انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم من هذا الوجه، وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة به، والله أعلم (٧).


= بسند فيه مجهول عن ابن عمر .
(١) وهي قراءة شاذة تفسيرية نسبها الطبري إلى الحسن البصري، وأخرجه البستي بسند صحيح من طريق قرة بن خالد عن الحسن.
(٢) أخرجه بنحوه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) نسبة السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد.
(٦) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. . .﴾ [سبأ: ٢٣] ح ٤٨٠٠).
(٧) سنن أبي داود، الحروف والقراءات، باب (١) (ح ٣٩٨٩) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٣٧٤)، وسنن الترمذي، التفسير، باب ومن سورة سبأ (ح ٣٢٢٣)، وسنن ابن ماجه، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية (ح ١٩٤).