للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإيمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم، وصاروا إلى الدار الآخرة وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء، فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان، كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد.

قال مجاهد: ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ قال: التناول لذلك (١).

وقال الزهري: التناوش تناولهم الإيمان وهم في الآخرة وقد انقطعت عنهم الدنيا.

وقال الحسن البصري: أما إنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال تعاطوا الإيمان من مكان بعيد (٢).

وقال ابن عباس : طلبوا الرجعة إلى الدنيا والتوبة مما هم فيه وليس بحين رجعة ولا توبة (٣)، وكذا قال محمد بن كعب القرظي .

وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا الرسل ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾.

قال مالك، عن زيد بن أسلم: ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ﴾ قال: بالظن (٤)، قلت: كما قال تعالى: ﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف: ٢٢] فتارة يقولون: شاعر، وتارة يقولون: كاهن، وتارة يقولون: ساحر، وتارة يقولون: مجنون إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة، ويكذبون بالبعث والنشور والمعاد ويقولون: ﴿إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣٢].

قال قتادة ومجاهد: يرجمون بالظن لا بعث ولا جنة ولا نار (٥).

وقوله تعالى: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ قال الحسن البصري والضحاك وغيرهما: يعني: الإيمان (٦).

وقال السدي: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ وهي التوبة (٧)، وهذا اختيار ابن جرير .

وقال مجاهد: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ من هذه الدنيا من مال وزهرة وأهل (٨)، وروى


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "الردّ". وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ: "التناول".
(٢) أخرجه يحيى بن سلام عن عثمان عن عمرو عن الحسن، وسنده ضعيف لضعف عثمان وهو ابن سعد البصري الكاتب.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "فكيف لهم بالردِّ".
(٤) سنده صحيح.
(٥) قول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول مجاهد أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٦) قول الحسن أخرجه ابن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان، عن أبي الأشهب عنه (المصنف ١٣/ ٥٢٧ رقم ١٧١٥٣) وسنده صحيح وقول الضحاك أخرجه البستي والطبري بسند حسن من طريق عُبيد الصيد عنه.
(٧) أخرجه البيهقي بسند حسن من طريق إسباط عن السدي (شعب الإيمان رقم ٧١٩٩).
(٨) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه البخاري تعليقًا عن مجاهد. (الصحيح، التفسير، سورة سبأ).