للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإنما يضلُّ من تلقاء نفسه، كما قال عبد الله بن مسعود لما سئل عن تلك المسألة في المفوضة أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله [بريئان] (١) (٢) منه.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ أي: سميع لأقوال عباده قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وقد روى النسائي هنا حديث أبي موسى في الصحيحين: "إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا قريبًا مجيبًا" (٣).

﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)﴾.

يقول تعالى: ولو ترى يا محمد إذ فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة، فلا فوت أي: فلا مفر لهم ولا وزر لهم ولا ملجأ ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ أي: لم يمكنوا أن يمعنوا في الهرب بل أخذوا من أول وهلة.

قال الحسن البصري: حين خرجوا من قبورهم (٤).

وقال مجاهد وعطية العوفي وقتادة: من تحت أقدامهم (٥).

وعن ابن عباس والضحاك؛ يعني: عذابهم في الدنيا (٦).

وقال عبد الرحمن بن زيد: يعني: قتلهم يوم بدر (٧)، والصحيح أن المراد بذلك يوم القيامة، وهو الطامَّة العظمى، وإِن كان ما ذكر متصلًا بذلك، وحكى ابن جرير عن بعضهم قال: إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس . ثم أورد في ذلك حديثًا موضوعًا بالكلية (٨)، ثم لم ينبه على ذلك، وهذا أمر عجيب غريب منه.

﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ أي: يوم القيامة يقولوا آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)[السجدة] ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ أي: وكيف لهم تعاطي


(١) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحف إلى: "بريان".
(٢) المسالة في زواج الرجل ثم يموت ولا يفرض لزوجته شيئًا، وأجاب ابن مسعود : فإني أقضي لها مثل صدقة امرأة من نسائها .. ولها الميراث وعليها العدّة. ثم ذكر الحديث الذي أعلاه (المسند ٧/ ٣٠٨ ح ٤٢٧٦) وصَحح سنده محققوه.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١٨٦.
(٤) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن الحسن البصري.
(٥) نسبة السيوطي إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية العوفي.
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس، وأخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام شيخ الطبري عن الضحاك.
(٧) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد.
(٨) أخرجه الطبري من حديث حذيفة بن اليمان .