للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مثلي ومثلكم؟ " قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم قال : "إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوًا يأتيهم، فبعثوا رجلًا يتراءى لهم فبينما هو كذلك أبصر العدو، فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه، أيها الناس أُوتيتم أيها الناس أُوتيتم" ثلاث مرات (١)، وبهذا الإسناد قال رسول الله : "بُعثت أنا والساعة جميعًا، إن كادت لتسبقُني" (٢) تفرد به الإمام أحمد في مسنده.

﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠)﴾.

يقول تعالى آمرًا رسوله أن يقول للمشركين: ﴿مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ أي: لا أريد منكم جعلًا ولا عطاء على أداء رسالة الله ﷿ إليكم ونصحي إياكم وأمركم بعبادة الله ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ أي: إنما أطلب ثواب ذلك من عند الله ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ أي: عالم بجميع الأمور بما أنا عليه من إخباري عنه بإرساله إياي إليكم وما أنتم عليه.

وقوله: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٤٨)﴾، كقوله تعالى: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [غافر: ١٥] أي: يرسل الملك إلى من يشاء من عباده من أهل الأرض، وهو علام الغيوب فلا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض.

وقوله تعالى: ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (٤٩)﴾ أي: جاء الحق من الله والشرع العظيم، وذهب الباطل وزهق واضمحل، كقوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ١٨]، ولهذا لما دخل رسول الله المسجد الحرام يوم الفتح، ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة جعل يطعن الصنم منها بسن قوسه ويقرأ: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (٨١)[الإسراء]، ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (٤٩)﴾ رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وحده عند هذه الآية، كلهم من حديث الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي مَعمر عبد الله بن سخبرة، عن ابن مسعود به (٣)؛ أي: لم يبق للباطل مقالة ولا رياسة ولا كلمة.

وزعم قتادة والسدي أن المراد بالباطل ههنا إبليس (٤). أي: أنه لا يخلق أحدًا ولا يعيده ولا يقدر على ذلك، وهذا وإن كان حقًا ولكن ليس هو المراد ههنا، والله أعلم.

وقوله: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ أي: الخير كله من عند الله، وفيما أنزل الله ﷿ من الوحي والحق المبين فيه الهدى والبيان والرشاد، ومن ضلَّ


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه بلفظ: "ثلاث مرار". (المسند ٣٨/ ٣٦ ح ٢٢٩٤٨) قال محققوه: صحيح لغيره.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٨/ ٣٥ ح ٢٢٩٤٧) وقال محققوه: حسن لغيره.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة الإسراء آية ٨١.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.