للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسله، ولهذا قال: ﴿فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي: فكيف كان عقابي ونكالي وانتصاري لرسلي؟

﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٤٦)﴾.

يقول : قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون: ﴿إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ أي: إنما آمركم بواحدة وهي: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ أي: تقوموا قيامًا خالصًا لله ﷿ من غير هوى ولا عصبية، فيسأل بعضكم بعضًا هل بمحمد من جنون. فينصح بعضكم بعضًا ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ أي: ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه، ويتفكر في ذلك، ولهذا قال تعالى: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ هذا معنى ما ذكره مجاهد ومحمد بن كعب والسدي وقتادة وغيرهم (١)، وهذا هو المراد من الآية.

فأما الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن زيد، عن القاسم، عن أبي أُمامة قال: إن رسول الله كان يقول: "أعطيت ثلاثًا لم يعطهن أحد قبلي ولا فخر: أُحلَّت لي الغنائم ولم تَحلّ لمن قبلي، كانوا قبلي يجمعون غنائمهم فيحرقونها، وبُعثت إلى كل أحمر وأسود، وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا أتيمم بالصعيد وأصلي فيها حيث أدركتني الصلاة، قال الله تعالى: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي" (٢). فهو حديث ضعيف الإسناد، وتفسير الآية بالقيام في الصلاة في جماعة وفرادى بعيد، ولعله مقحم في الحديث من بعض الرواة، فإن أصله ثابت في الصحاح (٣) وغيرها، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾، قال البخاري عندها: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن خازم، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: صعد النبي الصفا ذات يوم فقال: "يا صباحاه" فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ فقال: "أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني" قالوا: بلى، قال : "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" فقال أبو لهب: تبًّا لك ألهذا جمعتنا. فأنزل الله ﷿ ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١)[المسد]. وقد تقدم عند قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)[الشعراء].

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم، حدثنا بشير بن المهاجر، حدثني عبد الله بن بُريدة، عن أبيه قال: خرج إلينا رسول الله يومًا فنادى ثلاث مرات، فقال: "أيها الناس أتدرون ما


(١) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه بلفظ: "بطاعة الله"، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة بلفظ: "فهذه واحدة وعظهم بها".
(٢) سنده ضعيف لضعف علي بن زيد وهو ابن جدعان، ولأغلبه شواهد تقدم بعضها في الآية ٢٨ من هذه السورة.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة الشعراء آية ٢١٤.