للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سورة الفرقان ﴿أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ﴾ [١٧] وكما يقول لعيسى : ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [المائدة: ١١٦] وهكذا تقول الملائكة: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ أي: تعاليت وتقدست عن أن يكون معك إله ﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ أي: نحن عبيدك ونبرأ إليك من هؤلاء ﴿بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾ يعنون: الشياطين، لأنهم هم الذين زينوا لهم عبادة الأوثان وأضلوهم، ﴿أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ كما قال تعالى: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ﴾ [النساء: ١١٧، ١١٨]، قال الله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾ أي: لا يقع لكم نفع ممن كنتم ترجون نفعه اليوم من الأنداد والأوثان التي ادخرتم عبادتها لشدائدكم وكربكم، اليوم لا يملكون لكم نفعًا ولا ضرًا.

﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ وهم المشركون: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيجًا.

﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٥)﴾.

يخبر الله عن الكفار أنهم يستحقون منه العقوبة والأليم من العذاب، لأنهم كانوا إذا تتلى عليهم آياته بينات يسمعونها غضة طرية من لسان رسوله ﴿قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ﴾ يعنون: أن دين آبائهم هو الحق، وأن ما جاءهم به الرسول عندهم باطل، عليهم وعلى آبائهم لعائن الله تعالى: ﴿مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى﴾ يعنون: القرآن ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾،

قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤)﴾ أي: ما أنزل الله على العرب من كتاب قبل القرآن وما أرسل إليهم نبيًا قبل محمد ، وقد كانوا يوَدون ذلك ويقولون: لو جاءنا نذير أو أنزل علينا كتاب لكنا أهدى من غيرنا، فلما منَّ الله عليهم بذلك كذبوه وجحدوه وعاندوه.

ثم قال تعالى: ﴿وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: من الأُمم ﴿وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ﴾ قال ابن عباس ؛ أي: من القوة في الدنيا (١). وكذلك قال قتادة والسدي وابن زيد (٢)، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٢٦)[الأحقاف]، ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً﴾ [غافر: ٨٢] أي: وما دفع ذلك عنهم عذاب الله ولا ردَّه، بل دمر الله عليهم لما كذبوا


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.