للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المعجزات الباهرات والأدلة القاطعات ﴿وَبِالزُّبُرِ﴾ وهي الكتب ﴿وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ أي: الواضح البين ﴿ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: ومع هذا كله كذب أولئك رسلهم فيما جاؤوهم به، فأخذتهم؛ أي: بالعقاب والنكال ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي: فكيف رأيت إنكاري عليهم عظيمًا شديدًا بليغًا؟

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)﴾.

يقول تعالى منبهًا على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد، وهو الماء الذي ينزله من السماء، يخرج به ثمرات مختلفًا ألوانها من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض إلى غير ذلك من ألوان الثمار، كما هو المشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)[الرعد].

وقوله : ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا﴾ أي: وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان، كما هو المشاهد أيضًا من بيض وحمر، وفي بعضها طرائق وهي الجدد جمع جدة، مختلفة الألوان أيضًا قال ابن عباس : الجدد الطرائق (١)، وكذا قال أبو مالك والحسن وقتادة والسدي ومنها ﴿وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ قال عكرمة: الغرابيب الجبال الطوال السود، وكذا قال أبو مالك وعطاء الخراساني وقتادة (٢).

وقال ابن جرير: والعرب إذا وصفوا الأسود بكثرة السواد قالوا: أسود غربيب (٣)، ولهذا قال بعض المفسرين في هذه الآية: هذا من المقدم والمؤخر في قوله تعالى: ﴿وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ أي: سود غرابيب، وفيما قاله نظر.

وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ﴾ أي: كذلك الحيوانات من الأناسي والدواب، وهو كل ما دب على القوائم، والأنعام، من باب عطف الخاص على العام كذلك هي مختلفة أيضًا، فالناس منهم بربر وحبوش وطُماطم (٤) في غاية السواد وصقالبة وروم في غاية البياض، والعرب بين ذلك والهنود دون ذلك، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: ٢٢] وكذلك الدواب والأنعام مختلفة الألوان حتى في الجنس الواحد بل النوع الواحد منهن مختلف الألوان، بل الحيوان الواحد يكون أبلق فيه من هذا اللون وهذا اللون، فتبارك الله أحسن الخالقين.

وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا الفضل بن سهل، حدثنا عبد الله بن عمر بن


(١) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(٢) قول أبي مالك نسبه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٣) ذكره الطبري بنحوه.
(٤) أي: الأعاجم الذين لا يُفصحون.