للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد قال أبو جعفر بن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله هو ابن مسعود فقال: من أين جئت؟ قال: من الشام، قال: من لقيت؟ قال: لقيت كعبًا، قال: ما حدثك؟ قال: حدثني أن السماوات تدور على منكب ملك، قال: أفصدقته أو كذبته؟ قال: ما صدقته ولا كذبته، قال: لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها، كذب كعب إن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾ (١). وهذا إسناد صحيح إلى كعب وإلى ابن مسعود .

ثم رواه ابن جرير، عن ابن حميد، عن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: ذهب جندب البجلي إلى كعب بالشام فذكر نحوه (٢). وقد رأيت في مصنف للفقيه يحيى بن إبراهيم بن مزين الطليطلي سماه (سير الفقهاء) أورد هذا الأثر عن محمد بن عيسى بن الطباع، عن وكيع، عن الأعمش به (٣)، ثم قال: وأخبرنا زونان؛ يعني: عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، عن مالك أنه قال: السماء لا تدور، واحتج بهذه الآية، وبحديث: "إن بالمغرب بابًا للتوبة لا يزال مفتوحًا حتى تطلع الشمس منه" (٤) قلت: وهذا الحديث في الصحيح، والله أعلم.

﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤٢) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (٤٣)﴾.

يخبر تعالى عن قريش والعرب، أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم قبل إرسال الرسول إليهم ﴿لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ أي: من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل، قاله الضحاك وغيره كقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ [الأنعام: ١٥٦، ١٥٧]، وكقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠)[الصافات].

قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ﴾ وهو محمد بما أنزل معه من الكتاب العظيم، وهو القرآن المبين ﴿مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ أي: ما ازدادوا إلا كفرًا إلى كفرهم، ثم بيّن ذلك بقوله: ﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: استكبروا عن اتباع آيات الله ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾ أي: ومكروا بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ أي: وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم.


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وصحح سنده الحافظ ابن كثير، وهو كما قال، وقول كعب الأحبار ردّه ابن مسعود .
(٢) أخرجه الطبري وسنده منقطع لأن إبراهيم لم يسمع من جندب.
(٣) سنده صحيح.
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة الأنعام آية ١٥٨.