للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن أبي حاتم: ذكر علي بن الحسين، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي زكريا الكوفي، عن رجل حدثه أن رسول الله قال: "إياك ومكر السيء، فإنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله، ولهم من الله طالب" (١).

وقال محمد بن كعب القرظي: ثلاث من فعلن لم ينجُ حتى ينزل به: من مكر أو بغى أو نكث، وتصديقها في كتاب الله تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [يونس: ٢٣] ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ (٢) [الفتح: ١٠].

وقوله: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ﴾ يعني عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ أي: لا تغير ولا تبدل، بل هي جارية كذلك في كل مكذب ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ أي: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾ [الرعد: ١١] ولا يكشف ذلك عنهم ويحوله عنهم أحد.

﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (٤٤) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (٤٥)﴾.

يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به من الرسالة: سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين كذبوا الرسل، كيف دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها، فخلت منهم منازلهم، وسلبوا ما كانوا فيه من نعيم بعد كمال القوة وكثرة العدد والعُدد، وكثرة الأموال والأولاد، فما أغنى ذلك شيئًا، ولا دفع عنهم من عذاب الله من شيء، لما جاء أمر ربك لأنه تعالى لا يعجزه شيء إذا أراد كونه في السماوات والأرض ﴿إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ أي: عليم بجميع الكائنات قدير على مجموعها،

ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ أي: لو آخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك جميع أهل الأرض وما يملكونه من دواب وأرزاق.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ (٣).

وقال سعيد بن جبير والسدي في قوله تعالى: ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ أي: لما سقاهم المطر فماتت جميع الدواب.


(١) سنده ضعيف لتعليقه وإبهام شيخ أبي زكريا.
(٢) عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري به (المصنف ٨/ ١٦٤)، وسنده صحيح، وأخرجه الحاكم من طريق أبي إسحاق السبيعي به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٢٨).