للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مالك، عن زيد بن أسلم: هو اسم من أسماء الله تعالى (١).

﴿وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢)﴾ أي: المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

﴿إِنَّكَ﴾ أي: يا محمد ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)

﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)﴾ أي: على منهج ودين قويم وشرع مستقيم

﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥)﴾ أي: هذا الصراط والمنهج والدين الذي جئت به تنزيل من رب العزة الرحيم بعباده المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)[الشورى].

وقوله تعالى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (٦)﴾ يعني بهم العرب، فإنه ما أتاهم من نذير من قبله، وذكرهم وحدهم لا ينفي من عداهم، كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفي العموم، وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث المتواترة في عموم بعثته عند قوله تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨].

وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾ قال ابن جرير: لقد وجب العذاب على أكثرهم بأن الله تعالى قد حتم عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ بالله ولا يصدقون رسله.

﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (١٢)﴾.

يقول تعالى: إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء نسبتهم إلى الوصول إلى الهدى كنسبة من جعل في عنقه غل، فجمع يديه مع عنقه تحت ذقنه، فارتفع رأسه فصار مقمحًا، ولهذا قال تعالى: ﴿فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾ والمقمح هو الرافع رأسه، كما قالت أُم زرع في كلامها: وأشرب فأتقمح (٢)؛ أي: أشرب فأروي، وأرفع رأسي تهنيئًا وترويًا، واكتفى بذكر الغلِّ في العنق عن ذكر اليدين وإن كانتا مرادتين، كما قال الشاعر (٣):

فما أدري إذا يممت أرضًا … أريد الخير أيهما يليني

أألخير الذي أنا أبتغيه … أم الشر الذي لا يأتليني (٤)؟ (٥)

فاكتفى بذكر الخير عن الشر، لما دلَّ الكلام والسياق عليه، وهكذا هذا لما كان الغلّ إنما يعرف فيما جمع اليدين مع العنق، اكتفى بذكر العنق عن اليدين.

قال العوفي، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ


(١) سنده صحيح، وأخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٢) أخرجه مسلم (الصحيح، فضائل الصحابة، باب ذكر حديث أم زرع ح ٢٤٤٨).
(٣) هو المثقب العبدي كما في ديوانه ص ٢١٢.
(٤) أي: الذي لا يقصر في طلبه.
(٥) استشهد به الفراء (معاني القرآن ٢/ ٢٧٢) والطبري.