للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨)﴾ قال: هو كقوله ﷿ ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ (١) [الإسراء: ٢٩] يعني بذلك: أن أيديهم موثقة إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يبسطوها بخير.

وقال مجاهد: ﴿فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾ قال: رافعي رؤوسهم، وأيديهم موضوعة على أفواههم (٢)، فهم مغلولون عن كل خير.

وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا﴾ قال مجاهد: عن الحق (٣).

﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾ قال مجاهد: عن الحق فهم يترددون (٤).

وقال قتادة: في الضلالات (٥).

وقوله تعالى: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾ أي: أغشينا أبصارهم عن الحق ﴿فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ أي: لا ينتفعون بخير ولا يهتدون إليه.

قال ابن جرير: وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ "فأعشيناهم" بالعين المهملة من العشاء، وهو داء في العين (٦).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: جعل الله تعالى هذا السد بينهم وبين الإسلام والإيمان، فهم لا يخلصون إليه، وقرأ ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)[يونس] ثم قال: من منعه الله تعالى لا يستطيع (٧).

وقال عكرمة: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدًا لأفعلن ولأفعلن، فأنزلت ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ إلى قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ قال: وكانوا يقولون هذا محمد، فيقول: أين هو؟ أين هو؟ لا يبصره (٨)، رواه ابن جرير.

وقال محمد بن إسحاق: حدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب قال: قال أبو جهل وهم جلوس: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوكًا فإذا متم بعثتم بعد موتكم، وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن، وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه ذبح، ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تعذبون بها. وخرج عليهم رسول الله عند ذلك وفي يده حفنة من تراب، وقد أخذ الله تعالى على أعينهم دونه، فجعل يذرها على رؤوسهم ويقرأ ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢)﴾ حتى انتهى إلى قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩)﴾ وانطلق رسول الله لحاجته، وباتوا رصداء على بابه حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٢) أخرجه الطبري وآدم بن أبي إياس بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري والبستي وابن أبي حاتم (كما في تغليق التعليق ٥/ ١٩٠) بإسنادين يقوي أحدهما الآخر.
(٤) أخرجه الطبري وآدم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٦) ذكره الطبري تعليقًا بنحوه، ووصله البستي بسند ضعيف جدًا فيه خارجة بن مصعب عن رجل مجهول، وخارجة متروك يدلس عن الكذابين (التقريب ص ١٨٦).
(٧) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد.
(٨) أخرجه الطبري من طريق عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة، وهو مرسل.