للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جارية من بعده" (١).

وقال سفيان الثوري: عن أبي سعيد ، قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ قال: ما أورثوا من الضلالة (٢).

وقال ابن لهيعة: عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ يعني: ما أثروا، يقول: ما سنَّوا من سُنَّة فعمل بها قوم من بعد موتهم، فإن كانت خيرًا فلهم مثل أجورهم لا ينقص من أجر من عمل به شيئًا، وإن كانت شرًا فعليهم مثل أوزارهم ولا ينقص من أوزار من عمل بها شيئًا (٣)، ذكرهما ابن أبي حاتم، وهذا القول هو اختيار البغوي (٤).

والقول الثاني: أن المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية.

قال ابن أبي نجيح وغيره، عن مجاهد ﴿مَا قَدَّمُوا﴾ أعمالهم ﴿وَآثَارَهُمْ﴾ قال: خطاهم بأرجلهم (٥)، وكذا قال الحسن وقتادة: ﴿وَآثَارَهُمْ﴾ يعني: خطاهم (٦).

وقال قتادة: لو كان الله تعالى مُغفِلًا شيئًا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار (٧)، ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله حتى أحصى هذا الأثر فيما هو من طاعة الله تعالى أو من معصيته، فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله تعالى فليفعل.

وقد وردت في هذا المعنى أحاديث:

الحديث الأول: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبي، حدثنا الجريري، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله ، قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله ، فقال لهم: "إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟ " قالوا: نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك، فقال : "يا بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم" (٨). وهكذا رواه مسلم من حديث سعيد الجريري وكهمس بن الحسن، كلاهما عن أبي نضرة واسمه المنذر بن مالك بن قطعة العبدي، عن جابر به (٩).

الحديث الثاني: قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الوزير الواسطي، حدثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان الثوري، عن أبي سفيان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري ، قال: كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد، فنزلت ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ فقال لهم النبي : "إن آثاركم تكتب" فلم ينتقلوا (١٠)، تفرد بإخراجه


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١٢٨.
(٢) سنده ضعيف لضعف أبي سعيد وهو البقال.
(٣) سنده حسن.
(٤) معالم التنزيل ٧/ ٩.
(٥) أخرجه البستي والطبري بإسنادين يقوي أحدهما الآخر عن مجاهد.
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن الحسن وقتادة.
(٧) أخرجه الطبري بالسند المتقدم.
(٨) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ٣٣٢) وسنده صحيح.
(٩) صحيح مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل كثرة الخُطا إلى المساجد (ح ٦٦٥).
(١٠) في سنده أبو سفيان وهو طريف بن شهاب السعدي وهو ضعيف. (التقريب ص ٢٨٢) ويشهد له ما سبق بدون ذكر نزول الآية.