للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا أبو تُميلة، حدثنا الحسين، عن ثابت قال: مشيت مع أنس فأسرعت المشي فأخذ بيدي فمشينا رويدًا، فلما قضينا الصلاة قال أنس: مشيت مع زيد بن ثابت فأسرعت المشي، فقال: يا أنس أما شعرت أن الآثار تُكتب (١)؟

وهذا القول لا تنافي بينه وبين الأول، بل في هذا تنبيه ودلالة على ذلك بطريق الأولى والأحرى، فإنه إذا كانت هذه الآثار تُكتب، فلأن تكتب تلك التي فيها قدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ أي: وجميع الكائنات مكتوب في كتاب مسطور مضبوط في لوح محفوظ، والإمام المبين ههنا هو أم الكتاب، قاله مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (٢)، وكذا في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١] أي: بكتاب أعمالهم الشاهد عليهم بما عملوه من خير أو شر، كما قال تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾ [الزمر: ٦٩]، وقال تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (٤٩)[الكهف].

﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧)﴾.

ويقول تعالى: واضرب يا محمد لقومك الذين كذبوك ﴿مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه: إنها مدينة أنطاكية (٣)، وكان بها ملك يقال له: أنطيخس بن أنطيخس بن أنطيخس وكان يعبد الأصنام، فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل، وهم صادق وصدوق [وشلوم] (٤) فكذبهم (٥)، وهكذا روي عن بُريدة بن الحصيب وعكرمة وقتادة والزهري أنها: أنطاكية (٦)، وقد استشكل بعض الأئمة كونها أنطاكية بما سنذكره بعد تمام القصة إن شاء الله تعالى.


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده ابن حُميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف، ويشهد له الحديث الأول.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق منصور عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد.
(٣) مدينة من الثغور الشامية (معجم ما استعجم ١/ ٢٠٠).
(٤) كذا في (حم) و (مح) وتفسير الطبري، وفي الأصل صُحف إلى: "شكوم".
(٥) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق بلاغًا عن ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه. وسنده ضعيف. وقول ابن عباس نسبه السيوطي إلى الفريابي.
(٦) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم عن بُريدة، وقول عكرمة أخرجه الطبري بسند حسن من طريق السدي عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.