للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[والصواب أن كل سورة من القرآن معجزة، لا يستطيع البشر معارضتها طويلةً كانت أو قصيرةً [العصر].

قال الشافعي : لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)[العصر].

وقد روينا عن عمرو بن العاص أنه وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم، فقال له مسيلمة: ماذا أُنزل على صاحبكم بمكة في هذا الحين؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة. فقال: وما هي؟ فقال: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) … ﴾ (إلى آخرها) (١) ففكر ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: ولقد أُنزل علي مثلها؛ فقال: وما هو؟ فقال: يا وبر. يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حقر فقر، ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: واللّه إنك لتعلم أني لأعلم أنك تكذب (٢)] (٣).

﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٥)﴾.

لما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به وبرسله من العذاب والنكال عطف بذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به وبرسله الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة؛ وهذا معنى تسمية القرآن مثاني على أصح أقوال العلماء، كما سنبسطه في موضعه؛ وهو أن يذكر الإيمان ويتبع بذكر الكفر أو عكسه، أو حال السعداء، ثم الأشقياء، أو عكسه.

وحاصله ذكر الشيء ومقابله.

وأما ذكر الشيء ونظيره فذاك التشابه، كما سنوضحه إن شاء اللّه؛ فلهذا قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ فوصفها بأنها تجري من تحتها الأنهار، [كما وصف النار بأن وقودها الناس والحجارة. ومعنى تجري من تحتها الأنهار] (٤)؛ أي: من تحت أشجارها وغرفها.

وقد جاء في الحديث (٥): ..............................................................


(١) ساقط من (ن).
(٢) [سيأتي تخريجه في سورة العصر].
(٣) ساقط من (ز) و (هـ) و (ي).
(٤) ساقط من (ن).
(٥) أخرجه ابن مردويه في "تفسيره"، كما في "ابن كثير" (٧/ ٢٩٧، طبع الشعب)؛ وأبو نعيم في "الحلية" (٦/ ٢٠٥) وفي "صفة الجنة" من طريق مهدي بن حكيم، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا الجريري، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك مرفوعًا: "لعلكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض؟ لا واللّه إنها لسائحة على وجه الأرض، حافتاها خيام اللؤلؤ، وطينها المسك الأذفر". قلت: يا رسول الله! وما الأذفر؟ قال: "الذي لا خلط فيه".
وعزاه السيوطي في "الدر" (١/ ٣٨) للضياء المقدسي في "صفة الجنة".
(*) قلت: وهذا سند ضعيف، والجريري واسمه سعيد بن إياس كان اختلط، وسماع يزيد بن هارون من متأخر، وقد اضطرب فيه، فقد رواه يعقوب بن عبيدة وبشر بن معاذ كلاهما عن يزيد بن هارون بسنده سواء موقوفًا. أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" كما في "ابن كثير" (٧/ ٢٩٦)، وأبو نعيم في "صفة الجنة" =