للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وغير ذلك من الملاذ - خير ضيافة وعطاء ﴿أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ أي: التي في جهنم وقد يحتمل أن يكون المراد بذلك شجرة واحدة معينة كما قال بعضهم: إنها شجرة تمتد فروعها إلى جميع محال جهنم كما أن شجرة طوبى ما من دار في الجنة إلا وفيها منها غصن، وقد يحتمل أن يكون المراد بذلك جنس شجر يقال له: الزقوم كقوله تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠)[المؤمنون]؛ يعني: الزيتونة ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢)[الواقعة].

وقوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣)﴾.

قال قتادة: ذُكرت شجرة الزقوم فافتتن بها أهل الضلالة وقالوا: صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة والنار تأكل الشجر فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤)﴾ غُذيت من النار ومنها خلقت (١).

وقال مجاهد: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣)﴾ قال أبو جهل - لعنه الله -: إنما الزقوم التمر والزبد أتزقمه (٢). قلت: ومعنى الآية إنما أخبرناك يا محمد بشجرة الزقوم اختبارًا نختبر به الناس من يصدق منهم ممن يكذب كقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٦٠].

وقوله: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤)﴾ أي: أصل منبتها في قرار النار

﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥)﴾ تبشيع لها وتكريه لذكرها.

قال وهب بن منبه: شعور الشياطين قائمة إلى السماء، وإنما شبهها "برؤوس الشياطين" وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر، وقيل: المراد بذلك ضرب من الحيات رؤوسها بشعة المنظر، وقيل: جنس من النبات طلعه في غاية الفحاشة، وفي هذين الاحتمالين نظر، وقد ذكرهما ابن جرير (٣) والأول أقوى وأولى، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦)﴾. ذكر تعالى أنهم يأكلون من هذه الشجرة التي لا أبشع منها ولا أقبح من منظرها مع ما هي عليه من سوء الطعم والريح والطبع فإنهم ليضطرون إلى الأكل منها لأنهم لا يجدون إلا إياها وما هو في معناها كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧)[الغاشية].

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن مرزوق، حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس أن رسول الله تلا هذه الآية وقال: "اتقوا الله حق تقاته فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون طعامه؟ "


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة لكنه مرسل، وشطره الأول له شاهد تقدم في تفسير سورة الإسراء آية ٦٠.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري كلاهما بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، ولكنه مرسل، وله شاهد كسابقه.
(٣) ذكرهما الطبري بنحوه دون نسبة إلى أحد المفسرين.