للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بليا، قال: فانطلق يريده فانتهى إلى بابه وهو ممس فإذا قصر مشيد في السماء، وإذا حوله البوابون فقال لهم: استأذنوا لي على صاحب هذا القصر فإنكم إذا فعلتم سرَّه ذلك، فقالوا له انطلق إن كنت صادقًا فنم في ناحية فإذا أصبحت فتعرض له.

قال: فانطلق المؤمن فألقى نصف كسائه تحته ونصفه فوقه ثم نام، فلما أصبح أتى شريكه فتعرض له، فخرج شريكه الكافر وهو راكب، فلما رآه عرفه فوقف وسلم عليه وصافحه ثم قال له: ألم تأخذ المال مثل ما أخذت؟ قال: بلى. قال: وهذه حالي، وهذه حالك؟ قال: بلى. قال: أخبرني ما صنعت في مالك؟ قال: لا تسألني عنه، قال فما جاء بك؟ قال: جئت أعمل في أرضك هذه فتطعمني هذه الكسرة يومًا بيوم وتكسوني هذين الثوبين إذا بليا، قال: لا، ولكن أصنع بك ما هو خير من هذا ولكن لا ترى مني خيرًا حتى تخبرني ما صنعت في مالك قال: أقرضته. قال: من؟ قال: المليء الوفي. قال: من؟ قال: الله ربي. قال: وهو مصافحه فانتزع يده من يده ثم قال: ﴿أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣)﴾.

قال السدي: محاسبون، قال: فانطلق الكافر وتركه، قال: فلما رآه المؤمن وليس يلوي عليه رجع وتركه، يعيش المؤمن في شدة من الزمان ويعيش الكافر في رخاء من الزمان. قال: فإذا كان يوم القيامة وأدخل الله تعالى المؤمن الجنة يمر فإذا هو بأرض ونخل وثمار وأنهار فيقول لمن هذا؟ فيقال: هذا لك. فيقول: يا سبحان الله أوَ بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟ قال: ثم يمرُّ فإذا هو برقيق لا تحصى عدتهم فيقول: لمن هذا؟ فيقال: هؤلاء لك، فيقول: يا سبحان الله أوَ بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟ قال ثم يمرُّ فإذا هو بقبة من ياقوتة حمراء مجوفة فيها حوراء عيناء فيقول: لمن هذه؟ فيقال: هذه لك، فيقول: يا سبحان الله أو بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟ قال: ثم يذكر المؤمن شريكه الكافر فيقول: ﴿إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣)﴾.

قال: فالجنة عالية والنار هاوية. قال: فيريه الله تعالى شريكه في وسط الجحيم من بين أهل النار فإذا رآه المؤمن عرفه فيقول: ﴿قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (٦١)﴾ بمثل ما قد منّ عليه. قال: فيتذكر المؤمن ما مرَّ عليه في [الدنيا من الشدة] (١) فلا يذكر مما مرَّ عليه في الدنيا من الشدة أشد عليه من الموت (٢).

﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠)﴾.

يقول الله تعالى: [أهذا] (٣) - الذي ذكره من نعيم الجنة وما فيها من مآكل ومشارب ومناكح


(١) في الأصل بياض واستدرك من (حم) و (مح).
(٢) الخبر من الإسرائيليات كما صرح السدي في مطلعه.
(٣) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "هذا".