للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هي أُختي" فهو حديث مخرج في الصحاح والسنن من طرق ولكن ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذمُّ فاعله حاشا وكلَّا ولمّا، وإنما أطلق الكذب على هذا تجوزًا وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني كما جاء في الحديث: "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله في كلمات إبراهيم الثلاث التي قال ما منها كلمة إلا ما حلَّ بها عن دين الله تعالى: ﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)﴾ وقال: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣] وقال للملك: حين أراد امرأته هي أختي" (٢).

قال سفيان في قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ يعني: طعين وكانوا يفرون من المطعون فأراد أن يخلو بآلهتهم (٣)، وكذا قال العوفي عن ابن عباس : في قوله تعالى: ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)﴾ فقالوا له: وهو في بيت آلهتهم: أخرج فقال إني مطعون فتركوه مخافة الطاعون (٤).

وقال قتادة، عن سعيد بن المسيب: رأى نجمًا طلع فقال: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ كايد نبي الله عن دينه ﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)(٥).

وقال آخرون: ﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)﴾ بالنسبة إلى ما يستقبل يعني مرض الموت (٦)، وقيل: أراد ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ أي: مريض القلب من عبادتكم الأوثان من دون الله تعالى.

وقال الحسن البصري: خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم فأرادوه على الخروج فاضطجع على ظهره وقال: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ وجعل ينظر في السماء فلما خرجوا أقبل إلى آلهتهم فكسرها (٧). ورواه ابن أبي حاتم، ولهذا قال تعالى: ﴿فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠)﴾ أي: إلى عيدهم،

(فراغ إلى آلهتهم) أي: ذهب إليها بعد ما خرجوا في سرعة واختفاء ﴿فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾؟ وذلك أنهم كانوا قد وضعوا بين أيديها طعامًا قربانًا لتبارك لهم فيه.

وقال السدي: دخل إبراهيم إلى بيت الآلهة فإذا هم في بهو عظيم وإذا مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض، كل صنم يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو وإذا هم قد جعلوا طعامًا ووضعوه بين أيدي الآلهة، وقالوا: إذا كان حين نرجع وقد باركت الآلهة في طعامنا أكلناه، فلما نظر إبراهيم إلى ما بين أيديهم من الطعام قال: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (٩٢)(٨).


(١) ذكره البخاري في صحيحه في كتاب الأدب مبوبًا بعنوان: باب المعاريض مندوحة عن الكذب، وقد صح موقوفًا على عمران بن الحصين (ينظر السنن الكبرى للبيهقي ١٠/ ١٩٩ وفتح الباري ١٠/ ٥٩٤).
(٢) أخرجه البستي عن ابن أبي عمر العدني به، وسنده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان.
(٣) أخرجه البستي عن ابن أبي عمر عن سفيان، وسنده صحيح.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن العوفي به.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه مجهولان عن سعيد بن جبير بنحوه.
(٧) عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٨) أخرجه الطبري بنحوه مختصرًا بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.