للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (٩٣)﴾ قال الفراء: معناه مال عليهم ضربًا باليمين (١). وقال قتادة والجوهري فأقبل عليهم (٢) ضربًا باليمين. وإنما ضربهم باليمين لأنها أشد وأنكى ولهذا تركهم جذاذًا إلا كبيرًا لهم لعلهم إليه يرجعون كما تقدم في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تفسير ذلك (٣).

وقوله تعالى ههنا: ﴿فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤)﴾ قال مجاهد: وغير واحد؛ أي: يسرعون (٤)، وهذه القصة ههنا مختصرة وفي سورة الأنبياء مبسوطة فإنهم لما رجعوا ما عرفوا من أول وهلة من فعل ذلك حتى كشفوا واستعلموا، فعرفوا أن إبراهيم هو الذي فعل ذلك. فلما جاءوا ليعاتبوه أخذ في تأنيبهم وعيبهم فقال: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ أي: أتعبدون من دون الله من الأصنام ما أنتم تنحتونها وتجعلونها بأيديكم؟

﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)﴾ يحتمل أن تكون ما مصدرية فيكون تقدير الكلام خلقكم وعملكم، ويحتمل أن تكون بمعنى: الذي، تقديره والله خلقكم والذي تعملونه وكلا القولين متلازم، والأول أظهر لما رواه البخاري في كتاب أفعال العباد عن علي بن المديني، عن مروان بن معاوية، عن أبي مالك، عن رِبعي بن حراش، عن حُذيفة مرفوعًا قال: "إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته" وقرأ بعضهم ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)(٥). فعند ذلك لما قامت عليهم الحجة عدلوا إلى أخذه باليد والقهر فقالوا: ﴿ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ وكان من أمرهم ما تقدم بيانه في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ونجَّاه الله من النار وأظهره عليهم وأعلى حجته ونصرها، ولهذا قال تعالى: ﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨)﴾.

﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن خليله إبراهيم أنه بعد ما نصره الله تعالى على قومه وأيس من إيمانهم بعد ما شاهدوا من الآيات العظيمة هاجر من بين أظهرهم وقال: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ


(١) معاني القرآن ٢/ ٣٨٨.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) في الآيات ٥١ - ٦٢.
(٤) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "والوزيف: النسلان".
(٥) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد ص ٧٣ وسنده صحيح، وصححه الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد مسند البزار ٢/ ١٥٣ (ح ١٦٠٣).