للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠)﴾ يعني: أولادًا مطيعين عوضًا من قومه وعشيرته الذين فارقهم،

قال الله تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١)﴾ وهذا الغلام هو إسماعيل ، فإنه أول ولد بشر به إبراهيم وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب بل في نصِّ كتابهم أن إسماعيل ولد ولإبراهيم ست وثمانون سنة وولد إسحاق وعمر إبراهيم تسع وتسعون سنة، وعندهم أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وفي نسخة أخرى بكره، فأقحموا ههنا كذبًا وبهتانًا: إسحاق، ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنصِّ كتابه، وإنما أقحموا إسحاق لأنه أبوهم وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم فزادوا ذلك وحرفوا، وحيدك بمعنى الذي ليس عندك غيره فإن إسماعيل كان ذهب به وبأمه إلى مكة وهو تأويل وتحريف باطل فإنه لا يقال: وحيد إلا لمن ليس له غيره، وأيضًا فإن أول ولد له مَعزَّة ما ليس لمن بعده من الأولاد فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار.

وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق وحكي ذلك عن طائفة من السلف حتى نقل عن بعض الصحابة أيضًا، وليس ذلك في كتاب ولا سُنَّة وما أظن ذلك تلقي إلا عن أحبار أهل الكتاب وأخذ ذلك مسلمَّا من غير حجة وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل فإنه ذكر البشارة بغلام حليم وذكر أنه الذبيح ثم قال بعد ذلك: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢)﴾ ولما بشَّرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا: ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الحجر: ٥٣]، وقال تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١] أي: يولد له في حياتهم ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقب ونسل، وقد قدمنا هناك أنه لا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير لأن الله تعالى قد وعدهما بأنه سيعقب ويكون له نسل فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيرًا وإسماعيل وصف ههنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام؟

وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ أي: كبُرَ وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه، وقد كان إبراهيم يذهب في كل وقت يتفقد ولده وأم ولده ببلاد فاران وينظر في أمرهما، وقد ذكر أنه كان يركب على البُراق سريعًا إلى هناك والله أعلم.

وعن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وزيد بن أسلم وغيرهم (١) ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ بمعنى شبَّ وارتجل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾.

قال عبيد بن عمير: رؤيا الأنبياء وحي ثم تلا هذه الآية ﴿قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ (٢).

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أبو عبد الملك الكرندي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن إسرائيل بن يونس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه بلفظ: "العمل"، وقول مجاهد أخرجه الطبري وآدم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه بنحوه، وقول عكرمة عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه البخاري (الصحيح، الوضوء، باب التخفيف في الوضوء ح ١٣٨).