للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال السدي: ﴿فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ﴾ يعني: بدارهم ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ أي: فبئس ما يصبحون (١)؛ أي: بئس الصباح صباحهم. ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث إسماعيل بن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: صبح رسول الله خيبر، فلما خرجوا بفؤوسهم ومساحيهم (٢) ورأوا الجيش رجعوا وهم يقولون: محمد والله محمد والخميس، فقال النبي : "الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" (٣). ورواه البخاري من حديث مالك، عن حميد، عن أنس (٤).

وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة قال: لما صبح رسول الله خيبر وقد أخذوا مساحيهم وغدوا إلى حروثهم وأرضهم، فلما رأوا النبي نكصوا مدبرين، فقال نبي الله : "الله أكبر الله أكبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" (٥). لم يخرجوه من هذه الوجه وهو صحيح على شرط الشيخين.

وقوله تعالى: ﴿وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩)﴾ تأكيد لما تقدم من الأمر بذلك.

﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)﴾.

ينزه نفسه ويقدسها ويبرئها عما يقول الظالمون المكذبون المعتدون تعالى وتنزه وتقدس عن قولهم علوًا كبيرًا ولهذا قال : ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ أي: ذي العزة التي لا تُرام ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أي: عن قول هؤلاء المعتدين المفترين ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١)﴾ أي: سلام الله عليهم في الدنيا والآخرة لسلامة ما قالوه في ربهم وصحته وحقيّته ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)﴾ أي: له الحمد في الأولى والآخرة في كل حال، ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه من النقص قرن بينهما في هذا الموضع وفي مواضع كثيرة من القرآن ولهذا قال : ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)﴾.

وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: قال رسول الله : "إذا سلمتم عليّ فسلموا على المرسلين فأنا رسول من المرسلين" (٦). هكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث سعيد عنه كذلك.

وقد أسنده ابن أبي حاتم فقال: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أبو بكر الأعين


(١) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٢) المساحي جمع مسحاة وهي المجرفة من الحديد (النهاية ٤/ ٣٢٨).
(٣) أخرجه البخاري عن يعقوب بن إبراهيم عن إسماعيل بن علية به مطولًا (الصلاة، باب ما يُذكر في الفخذ ح ٣٧١)، وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب عن إسماعيل بن علية به (الصحيح، الجهاد، باب غزوة خيبر ح ١٢٠/ ١٣٦٥).
(٤) أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به (الصحيح، المغازي، باب غزوة خيبر ح ٤١٩٧).
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٢٨) وسنده صحيح.
(٦) أخرجه الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة به، ورجاله ثقات لكنه مرسل ويتقوى بما يليه.