للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَشِقَاقٍ﴾ أي: ومخالفة له ومعاندة ومفارقة، ثم خوفهم ما أهلك به الأُمم المكذبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من السماء، فقال تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ أي: من أمة مكذبة ﴿فَنَادَوْا﴾ أي: حين جاءهم العذاب استغاثوا وجأروا إلى الله تعالى وليس ذلك بمجد عنهم شيئًا كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (١٢)[الأنبياء]، أي: يهربون ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (١٣)[الأنبياء].

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن التميمي قال: سألت ابن عباس عن قول الله : ﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ قال: ليس بحين نداء ولا نزو ولا فرار (١).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ليس بحين مغاث (٢).

وقال شبيب بن بشر: عن عكرمة، عن ابن عباس نادوا النداء حين لا ينفعهم وأنشد: تذكر ليلى لات حين تذكر (٣).

وقال محمد بن كعب في قوله تعالى: ﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ يقول نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم، واستناصو للتوبة حين تولت الدنيا عنهم (٤).

وقال قتادة: لما رأوا العذاب أرادوا التوبة في غير حين النداء (٥).

وقال مجاهد: ﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ ليس بحين فرار ولا إجابة (٦). وقد روي نحو هذا عن عكرمة وسعيد بن جبير وأبي مالك والضحاك وزيد بن أسلم والحسن وقتادة (٧).

وعن مالك، عن زيد بن أسلم ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ ولا نداء في غير حين النداء (٨)، وهذه الكلمة وهي: لات، هي لا التي للنفي زيدت معها التاء كما تزاد في ثم فيقولون: (ثمت) و (رب) فيقولون ربت وهي مفصولة والوقف عليها، ومنهم من حكى عن المصحف الإمام فيما ذكره ابن جرير أنها متصلة بحين ولا تحين مناص والمشهور الأول ثم قرأ الجمهور بنصب حين تقديره: وليس الحين حين مناص، ومنهم من جوز النصب بها، وأنشد:

تذكر حب ليى لات حينا … وأضحى الشيب قد قطع القرينا (٩)

ومنهم من جوز الجر بها وأنشد:

طلبوا صلحنا ولات أوان … فأجبنا أن ليس حين بقاء (١٠)


(١) أخرجه الحاكم من طريق أبي إسحاق به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٣٢).
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٣) سنده حسن، ونسبه السيوطي إلى ابن أبي حاتم عن عكرمة به.
(٤) عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن كعب بنحوه.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "ليس بحين فرار"، وأخرجه البستي من طريق ابن جريج عن مجاهد كاملًا لكن ابن جريج لم يسمع من مجاهد.
(٧) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق أيوب السختياني عن عكرمة، وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد عن سعيد بن جبير والحسن البصري، وأخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٨) سنده صحيح.
(٩) (١٠) استشهد بها الطبري.