للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأنشد بعضهم أيضًا:

ولات ساعة مندم (١)

بخفض الساعة وأهل اللغة يقولون: النوص: التأخر، والبوص: التقدم، ولهذا قال : ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ أي: ليس الحين حين فرار ولا ذهاب.

﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (٦) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (١٠) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (١١)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين في تعجبهم من بعثة رسول الله بشيرًا ونذيرًا كما قال تعالى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (٢)[يونس] وقال ههنا: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ أي: بشر مثلهم وقال الكافرون: ﴿هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ أي: أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو؟ أنكر المشركون ذلك قبحهم الله تعالى وتعجبوا من ترك الشرك بالله فإنهم كانوا قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأشربته قلوبهم فلما دعاهم الرسول إلى خلع ذلك من قلوبهم وإفراد الإله بالوحدانية أعظموا ذلك وتعجبوا وقالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)

﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ﴾ وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين ﴿امْشُوا﴾ أي: استمروا على دينكم ﴿وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾ ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد من التوحيد.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ قال ابن جرير: إن هذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء وأن يكون له منكم أتباع ولسنا نجيبه إليه (٢).

ذكر سبب نزول هذه الآيات الكريمات.

قال السدي: إن ناسًا من قريش اجتمعوا فيهم: أبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى أبي طالب فلنكلمه فيه فلينصفنا منه فليكفَّ عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه الذي يعبده، فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون منا إليه شيء فتعيرنا به العرب يقولون: تركوه حتى إذا مات عنه تناولوه فبعثوا رجلًا منهم يقال له: المطلب فاستأذن لهم علي أبي طالب، فقال: هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم يستأذنون عليك. قال: أدخلهم، فلما دخلوا عليه قالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا فأنصفنا من ابن أخيك، فمره فليكفَّ عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه. قال: فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله قال: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم وقد سألوك أن تكفَّ عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك قال : "يا عمِّ أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم" قال: وإلام تدعوهم؟ قال : "أدعوهم أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب


(١) استشهد بها الطبري.
(٢) ذكره الطبري بنحوه.