للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: سألوا تعجيل ما يستحقونه من الخير أو الشر في الدنيا (١).

وهذا الذي قاله جيد وعليه يدور كلام الضحاك وإسماعيل بن أبي خالد والله أعلم.

ولما كان هذا الكلام منهم على وجه الاستهزاء والاستبعاد، قال الله تعالى لرسوله آمرًا له بالصبر على أذاهم ومبشرًا له على صبره بالعاقبة والنصر والظفر:

﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (٢٠)﴾.

يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود أنه كان ذا أيد، والأيد القوة في العلم والعمل.

قال ابن عباس والسدي وابن زيد: الأيد: القوة.

وقرأ ابن زيد ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧)(٢) [الذاريات]. وقال مجاهد: الأيد: القوة في الطاعة (٣).

وقال قتادة: أُعطي داود قوة في العبادة وفقهًا في الإسلام، وقد ذُكر لنا أنه كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر (٤).

وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال: "أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى، وأنه كان أوابًا" (٥) وهو الرجاع إلى الله ﷿ في جميع أموره وشؤونه.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨)﴾ أي: أنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار كما قال تعالى: ﴿يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سبأ: ١٠]، وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه إذا مرَّ الطير وهو سابح في الهواء فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب بل يقف في الهواء ويسبح معه وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه وتسبح تبعًا له. قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا محمد بن بشر، عن مسعر،


(١) ذكره الطبري بنحوه.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس، ويتقوى بما يليه من الآثار، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، والشطر الثاني منه يشهد له الحديث الصحيح التالي.
(٥) أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمرو (صحيح البخاري، التهجد، باب من نام عند السحر ح ١١٣١)، وصحيح مسلم، الصيام، باب النهي عن صوم الدهر (ح ١٨١/ ١١٥٩ و ١٨٦/ ١١٥٩).