للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورأى بينهنَّ فرسًا له جناحان من رقاع، فقال : "ما هذا الذي أرى وسطهنَّ" قالت: فرس، قال رسول الله : "ما هذا الذي عليه؟ " قالت : جناحان قال رسول الله : "فرس له جناحان؟ " قالت : أما سمعت أن سليمان كانت له خيل لها أجنحة؟ قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه (١).

وقوله : ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢)﴾ ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أنه اشتغل بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر والذي يقطع به أنه لم يتركها عمدًا بل نسيانًا كما شغل النبي يوم الخندق عن صلاة العصر حتى صلاها بعد الغروب، وذلك ثابت في الصحيحين من غير وجه من ذلك عن جابر قال: جاء عمر يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسبُّ كفار قريش ويقول: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب. فقال رسول الله : "والله ما صليتها" فقال: فقمنا إلى بُطْحَان فتوضأ نبي الله للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب (٢).

ويحتمل أنه كان سائغًا في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال، والخيل تراد للقتال، وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذا كان مشروعًا فنسخ ذلك بصلاة الخوف، ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسايفة والمضايقة حيث لا تمكن صلاة ولا ركوع ولا سجود كما فعل الصحابة في فتح تُستَر، وهو منقول عن مكحول والأوزاعي وغيرهما.

والأول أقرب لأنه قال بعده: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣)﴾.

قال الحسن البصري: قال: لا، والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك، ثم أمر بها فعُقرت (٣)، وكذا قال قتادة (٤).

وقال السدي: ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف (٥).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حُبًّا لها (٦). وهذا القول اختاره ابن جرير قال: لأنه لم يكن ليعذب حيوانًا بالعرقبة ويهلك مالًا من ماله بلا سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها، وهذا الذي رجح به ابن جرير فيه نظر لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ولا سيما إذا كان غضبًا لله تعالى بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة ولهذا لما خرج عنها لله تعالى عوضه الله تعالى بما هو


(١) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه (السنن، الأدب، باب في اللعب بالبنات ح ٤٩٣٢)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٤١٢٣).
(٢) صحيح البخاري، مواقيت الصلاة، باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت (ح ٥٩٦)، وصحيح مسلم، المساجد، باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (ح ٦٣١).
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن.
(٤) هو تتمة الأثر السابق، وهو من أخبار أهل الكتاب والراجح ما سيأتي عن ابن عباس .
(٥) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٦) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.