للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩)﴾ أي: لولا الوحي من أين كنت أدري باختلاف الملأ الأعلى؟ يعني: في شأن آدم وامتناع إبليس من السجود له ومحاجته ربه في تفضيله عليه. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا أبو سعيد مولى بني هشام، حدثنا جهضَم اليماميَّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن أبي سلَّام، عن أبي سلَّام، عن عبد الرحمن بن عائش، عن مالك بن يخامر، عن معاذ قال: احتبس علينا رسول الله ذات غداة من صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس فخرج سريعًا فثوب بالصلاة فصلى وتجوز في صلاته، فلما سلَّم قال : "كما أنتم" ثم أقبل إلينا فقال: "إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي في أحسن صورة فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى، قلت: لا أدري يا ربِّ - أعادها ثلاثًا - فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري فتجلَّى لي كل شيء وعرفت فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات. قال: وما الكفارات؟ قلت: نقل الأقدام في الجماعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء عند الكريهات. قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة والناس نيام، قال: سل، قلت: اللَّهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة بقوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك. وقال رسول الله : إنها حق [فادرسوها] (١) وتعلموها" (٢). فهو حديث المنام المشهور، ومن جعله يقظة فقد غلط وهو في السنن من طرق، وهذا الحديث بعينه قد رواه الترمذي من حديث جهضم بن عبد الله اليمامي به، وقال حسن صحيح (٣)، وليس هذا الاختصام هو الاختصام المذكور في القرآن فإن هذا قد فسر، وأما الاختصام الذي في القرآن فقد فسر بعد هذا وهو في قوله تعالى:

﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٧٤) قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (٧٥) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)﴾.

هذه القصة ذكرها الله في سورة البقرة وفي أول سورة الأعراف وفي سورة الحجر


= محمد بن سيرين عن شريح القاضي، وأخرجه أيضًا الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(١) كذا في (حم) و (مح) والمسند، وفي الأصل صُحف إلى: "فارسوها".
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ٤٢٢ - ٤٢٣ ح ٢٢١٠٩)، وضعفه محققوه لاضطرابه ومداره على عبد الرحمن بن عائش، ولكن لبعضه شواهد.
(٣) سنن الترمذي، التفسير، باب ومن سورة ﴿ص﴾ (ح ٣٢٣٥).