للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣)[المائدة] ثم قال: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤)[المائدة]، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ [البروج: ١٠].

قال الحسن البصري رحمة الله عليه: انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة والآيات في هذا كثيرة جدًا.

وفي الصحيحين عن أبي سعيد ، عن رسول الله حديث الذي قتل تسعًا وتسعين نفسًا ثم ندم وسأل عابدًا من عباد بني إسرائيل هل له من توبة، فقال: لا فقتله وأكمل به مائة ثم سأل عالمًا من علمائهم هل له من توبة فقال ومن يحل بينك وبين التوبة. ثم أمره بالذهاب إلى قرية يعبد الله فيها فقصدها فأتاه الموت في أثناء الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأمر الله أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو منها، فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها فقبضته ملائكة الرحمة، وذكر أنه نأى بصدره عند الموت وأن الله أمر البلدة الخيرة أن تقترب وأمر تلك البلدة أن تتباعد (١)، هذا معنى الحديث وقد كتبناه في موضع آخر بلفظه.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ إلى آخر الآية. قال: قد دعا الله تعالى إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله، ومن زعم أن عزيرًا ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة يقول الله تعالى لهؤلاء: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤)[المائدة] ثم دعا إلى التوبة من هو أعظم قولًا من هؤلاء، من قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤]، وقال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨].

قال ابن عباس: من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه (٢).

وروى الطبراني من طريق الشعبي عن [شُتير] (٣) بن شَكل أنه قال: سمعت ابن مسعود يقول إن أعظم آية في كتاب الله ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، وإن أجمع آية في القرآن بخير وشر ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ وإن أكثر آية في القرآن فرجًا في سورة الزمر ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ وإن أشد آية في كتاب الله تفويضًا ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: ٢، ٣] فقال له مسروق صدقت (٤).


(١) صحيح البخاري، أحاديث الأنبياء، باب رقم ٥٤ ح ٣٤٧٠، وصحيح مسلم، التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثُر قتله (ح ٢٧٦٦).
(٢) عزاه بطوله السيوطي إلى الطبري وابن المنذر. ولم أجده في تفسير الطبري.
(٣) كذا في (حم) والطبري، وفي الأصل صُحف إلى: "سنيد".
(٤) أخرجه الطبراني من طريق منصور عن الشعبي به (المعجم الكبير ح ٨٦٥٩ و ٨٦٦٠)، وأخرجه البستي من طريق منصور عن الشعبي عن مسروق وشتير به، وسنده صحيح، وأخرجه الطبري من طريق منصور به.