للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طنين بأعلى، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل فتبعث قيِّمها، فيفتح لها فإذا رآه خرّ له - قال مسلمة أراه قال ساجدًا - فيقول: ارفع رأسك فإنما أنا قيِّمك وُكِّلتُ بأمرك فيتبعه ويقفو أثره، فتستخف الحوراء العجلة فتخرج من خيام الدر الياقوت حتى تعتنقه ثم تقول: أنت حبي وأنا حِبّك، وأنا الخالدة التي لا أموت، وأنا الناعمة التي لا أبأس، وأنا الراضية التي لا أسخط، وأنا المقيمة التي لا أظعن، فيدخل بيتًا من أسه إلى سقفه مائة ألف ذراع بناؤه على جندل اللؤلؤ: طرائق أصفر وأخضر وأحمر ليس فيها طريقة تشاكل صاحبتها، في البيت سبعون سريرًا، على كل سرير سبعون حشية، على كل حشية سبعون زوجة، على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من باطن الحلل يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه، الأنهار من تحتهم تطرد "أنهار من ماء غير آسن"، قال: صافٍ لا كدر فيه، "وأنهار من لبن لم يتغير طعمه"، قال: لم يخرج من ضروع الماشية: "وأنهار من خمرة لذة للشاربين" قال: لم تعصرها الرجال بأقدامهم، "وأنهار من عسل مصفى"، قال: لم يخرج من بطون النحل، يستجني الثمار فإن شاء قائمًا وإن شاء قاعدًا وإن شاء متكئًا، ثم تلا ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (١٤)[الإنسان] فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض - قال: وربما قال: أخضر - قال: فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها؛ أي: الألوان شاء ثم يطير فيذهب فيدخل الملك فيقول: سلام عليكم تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون، ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت في الأرض لأضاءت الشمس معها سوادًا في نور" (١). هذا حديث غريب وكأنه مرسل، والله أعلم.

﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)﴾.

لما ذكر تعالى حكمه في أهل الجنة والنار وأنه نزّل كلًّا في المحل الذي يليق به ويصلح له وهو العادل في ذلك الذي لا يجور، أخبر عن ملائكته أنهم محدقون من حول العرش المجيد يسبحون بحمد ربهم ويمجدونه ويعظمونه ويقدسونه وينزهونه عن النقائص والجور، وقد فصل القضية وقضي الأمر وحكم بالعدل ولهذا قال: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ أي: بين الخلائق ﴿بِالْحَقِّ﴾.

ثم قال: ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي: نطق الكون أجمعه ناطقه وبهيمه لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله، ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد.

قال قتادة: افتتح الخلق بالحمد في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الأنعام: ١]، واختتم بالحمد في قوله : ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (٢).


(١) سنده ضعيف لضعف أبي معاذ البصري وهو سليمان بن أرقم. كما في التقريب.
(٢) أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، وسنده صحيح، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.